"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

جراح الطفولة وآثارها الدائمة: جرح الإذلال وقناع المازوشيّة- الحلقة الثالثة

كريستين نمر
الأربعاء، 12 يونيو 2024

جراح الطفولة وآثارها الدائمة: جرح الإذلال وقناع المازوشيّة- الحلقة الثالثة

ينشر “نيوزاليست” سلسلة حلقات عن “جراح الروح الخمس”، ومدى تأثيرها على سلوكنا وعلاقتنا بالآخرين، وطريقة الشفاء منها، مستوحاة من كتاب ليز بوربو “الإصابات الخمس التي تمنعك من أن تكون على طبيعتك”، والتي تتحدّث فيه عن العلاقة بين الجراح الداخلية والمظهر الخارجي للفرد مستندة بذلك الى شهادات اشخاص عالجتهم في عيادتها الخاصة.

واعتبرت بوربو ان ما أسمته “بجراح البدايات الناجمة عن تجاربنا الأولية مع العالم الخارجي، لا يمكن أن تلتئم ابدًا”.

لكن ما هي هذه الجراح؟ وكيف يمكن معرفة جرحنا الذي يمنعنا من العيش بوئام وسلام مع أنفسنا؟ وهل يمكن أن يكون في داخلنا أكثر من جرح؟ وكيف السبيل الى التحرّر من قبضتها او الشفاء منها؟

أنواع الجراح

كنا قد أشرنا في الحلقتين السابقتين كيف قسّمت بوربو الجراح الى خمسة اقسام، وأرفقت كلّ جرح بما أطلقت عليه اسم “القناع”، الذي يشرح “ردّ الفعل الدفاعي” الذي نلجأ اليه في مواجهة مواقف قد تحدث معنا، ورأت أنّ “الرغبة في إخفاء هذه الجروح عن الذات أو عن الآخرين، تجعل كلّ واحدٍ منا يرتدي قناعًا، حسب جرحه الخاص، فالشخصُ الذي يعاني من جرح الرفض يرتدي قناع الهارب، والذي يعاني من جرح التخلّي يرتدي قناع التابع والتعلق بالآخرين بشكلٍ مرضيّ، والذي يعاني من جرح الإذلال يرتدي قناع المازوشي أو التلذّذ في عذاب الذات، والذي يعاني من جرح الخيانة يرتدي قناع المتحكّم والمراقب، أمّا الذي يعاني من جرح الظلم فإنه يرتدي قناع الصلابة”.

والقناع سيسهّل علينا معرفة أي جرح أو جراح في داخلنا.

وكنا قد تحدثنا بشكل مفصّل، عن جرح الرفض والقناع الذي يرتديه لإخفاء جرحه،” قناع الهارب”، وجرح “الهجر” وقناع “التابع”، اما في حلقة اليوم فسوف نتحدّث عن جرح “الإذلال والإهانة” وقناع “المازوشي”.

للاطلاع على الحلقة الأولى انقر/انقري هنا للاطلاع على الحلقة الثانية انقر/انقري هنا

جرح الاذلال او الإهانة: قناع المازوشي

يولد هذا الجرح بسبب الانتقاد الدّائم للطفل، والتّقليل من قيمته، ومقارنته بغيره من قبل والديه وخصوصًا من قبل الأب، فيسبّب له هذا السلوك، شعورًا بالتخلي عنه والخجل منه والرفض له، إضافة إلى الإحساس الدائم بالذلّ، فيفضّل البقاء الى جانب والدته.

والانتقاد الدائم للطفل ونعته بصفات، كالغبيّ او السيّئ، والتقليل من أهميته والاستهزاء بشكله ووزنه وصوته وعلاماته وطريقة كلامه وخطّه، ومناقشة مشاكله أمام الغرباء وخلاف ذلك، يولّد لديه جراحًا بالغة تفقده ثقته بنفسه وتدمّر احترامه لذاته.

وغالبًا ما يؤدي ذلك “إلى خلق شخصية متأهبّة للدفاع الدائم عن نفسها، تجعل منه انسانًا متسلّطًا وأنانيًّا، يحيط نفسه بدرع واقٍ للحماية حتى من أقرب المقرّبين به”، كما تقول ليز بوربو.

صفات المازوشي

من المعروف أنّ الشخص المازوشي يتلذّذ بمعاناته، ويبحث عن الألم والإذلال، و”هذا بالتّحديد ما ينطبق على الشّخص الذي بداخله جرح الإذلال والإهانة”، فهو دائم الشعور بالخجل من نفسه ومن الآخرين، يخاف من أن يسبّب لهم الاحراج بتصرّفاته، هو دائمًا على عجلة من أمره، كل ما حوله يثير اشمئزازه، يعي احتياجاته ولكنه لا يستمع اليها، يتحمّل الكثير على عاتقه، ويتسلّط ليخفي “عاره”.

وتضيف بوربو: “يحب الكمال، يميل الى الاندماج مع شخص ما أو مع شيء ما، فإذا كان الشخص الذي امامه متديّنا، يتحوّل الى مؤمن ناشر للدين وتعاليمه، وإذا كان مرحًا تحوّل الى انسان يضجّ بالحياة والفرح…” يحتاج الى حضور دائم للآخرين ودعمهم، لتعزيز وجوده، يقبل الرفض بشكل مؤلم، مثير للشفقة، ينتقل من حالة السعادة الى التعاسة من دون سبب او انذار، يطلب النصيحة لكنّه لا يعمل بها، يحب لعب دور الأم والاعتناء بالآخرين وتقديم النصيحة لهم، فتراه يسارع إلى تلبية احتياجاتهم والاهتمام بهم وارشادهم حتى من دون أن يطلبوا منه ذلك.

يجد صعوبة في التّعبير عن حاجاته الأساسيّة، تكون علاقته بأمه مرضيّة الى حد الانصهار، حسّاس بشكل مفرط، غالبًا ما يقلّل من قيمة نفسه، ويسعى بشكل دائم الى معاقبتها، ظنّا منه بأنه يعاقب من حوله، فالزوجة التي يؤنّبها زوجها مثلًا، تسعى الى الانتقام منه بتنظيف منزلها وقلبه رأسًا على عقب، ظنًا منها أنها تعاقبه هو، إنما بالحقيقة فهي التي تُعاقَب.

دائم الشكّ بنظافته الشخصيّة، ويعتقد أنه بلا قلب.

مفرداته المستخدمة: أستحق، لا أستحق، صغير، ضخم…

خوفه الأساسي إنّ خوف المازوشي الأساسي هو الحريّة، فهو يخاف من التصرّف على سجيته مع الآخرين. تقول بوربو: ” يعتقد ان التصرّف على سجيته قد يعرّضه للإساءة من قبلهم، فيلزم حدّه”.

الصفات الجسديّة للمازوشي

Screenshot 2024-06-08 at 19.06.02

  الخصائص الجسديّة للشخص الذي يعاني جرح الهجر/وقناع التابع

تقول بوربو إن المازوشي قد يبني جسمًا يسّبب له العار، فغالبا ما يكون سمينًا، مستديرًا ويأخذ الكثير من المساحة، عنقه كبير ومستدير، عيناه كبيرتان وذابلتان كعيون الأطفال.

يحبّ الأطعمة الغنيّة بالدهون إضافة الى عشقه للشوكولا، يأكل بشراهة وبلقيمات صغيرة جدًا، يشعر بالخزيّ والعار من جرّاء شرائه للمأكولات.

اما أمراضه فتشير الى انه “غالبًا ما يعاني من أوجاع في الظهر ومشاكل نفسية وألم في الحنجرة، ومشاكل في القلب وتطرّف في ما يتعلق بالطعام”.

كيف يمكنه الشفاء من هذا الجرح؟

تقول بوربو، “لا يمكن لحامل جرح الإذلال أنْ يشفى طالما لم يَعِ جرحه، فقرار ارتداء قناع الإذلال قد أتى نتيجة خوفه من أن يخيّب ظنّون الآخرين به”.

وتضيف: ” الشفاء من جرح الإذلال والإهانة يتطلّب منه اولًا التوقّف عن اظهار نقاط ضعفه التي تؤجّج لديه الشعور بالذنب والعار، وهذا بالتحديد ما يطلبه، لجذب انتباه الآخرين”.

وهنا بعض النصائح الذي تقدّمها لحامل هذا الجرح:

ارفض مَن رفضَك وامضِ قدمًا. تحصّن بالقوة والأمل، فالخوف من الرفض يبقيك معلّقًا في الماضي.

احذر من أن تتحول الى ضحية لأولئك الذين أساؤوا اليك، سواء فعلوا ذلك عن قصد او عن غير قصد.

إيّاك ان تشعر بالضّعف لأنه قد يغرقك بالكآبة.

اعلم أنك تساوي الكثير، ثق بنفسك، قدّرها، وامنحها الأهميّة التي تستحقها.

لا تدع أي شخص يؤذي قلبك.

تقبّل الاخرين على ما هم عليه ولا تسعى الى تغييرهم.

تحدث جيدًا عن نفسك.

حدّد نقاط قوتك، قرّر عندما تستيقظ صباحًا ان هذا اليوم سيكون من أفضل الأيام بالنسبة اليك، تأكّد أنّ ما يخرج من فمك سيداويك ولن يؤذيك، حاول ان تأخذ من المواقف التي تواجهك الأشياء الإيجابية فقط.

كافئ نفسك باستمرار، حاول ان تأكل الطبق المفضل لديك وان ترتدي أفضل ما عندك.

أَحط نفسك بالأشخاص الإيجابيين الذين يساعدونك على اخراج أفضل ما عندك.

لا تفتش عن استحسان الآخرين لك ولا تقع في فخ السعي لإغرائهم.

وتؤكد ان “هذا القناع يؤذي ولا يحمي”، وتضيف: ” إذا أردت أن تبقى على قيد الحياة، أحبّ ذاتك أكثر وحاول ان تتحمّل أعباء أقل، تحرّر من الاعتقاد أنك تسبّب العار لعائلتك أينما حللت، خُذّ قرارًا بالعيش، احمِ نفسك من نفسك باحترامك وتقديرك لها، ارمِ عنك هذا القناع، فأنت لم تعد ذلك الطفل الذي لا يعرف تضميد جرحه.

المقال السابق
اجتماع عربي- اسرائيلي عسكري في المنامة؟
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

دراسة مثيرة.. هذا ما يحدث للدماغ عندما نقع في الحبّ!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية