"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

"جنّ" إيمانويل ماكرون و...فعلها!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الخميس، 16 مارس 2023

في الحملة الرئاسية التي انتهت بفوز الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بولاية ثانية، دعا رئيس حزب “فرنسا العصيّة” جان لوك ميلونشون مواطنيه الى انتخابه ليوفّروا على أنفسهم عناء الإضرابات والإضطرابات التي ستحفل بها ولاية منافسيه، لأنّه هو، على النقيض منهم، لن يرفع سنّ التقاعد في البلاد.

لكنّ الأكثريّة الفرنسية لم تختر ميلونشون “نصير العمّال” بل ماكرون “نصير الاقتصاد”.

ومنذ قرّر ماكرون وضع مشروعه الرامي الى رفع سنّ التقاعد من 62 سنة الى 64، قيد التنفيذ، دخلت فرنسا في الإضرابات وغرقت الطرق بالتظاهرات.

وقد تراجعت قوى طالما رفعت شعار رفع سنّ التقاعد، في ضوء “لا شعبيّته”، عن دعم مشروع القانون الذي تقدّمت به الحكومة الفرنسيّة، الأمر الذي أفقد وعد ماكرون الإنتخابي الأكثريّة النيابيّة اللازمة.

انهالت النصائح على ماكرون بأن يترك أمر مشروعه للنوّاب، فهو نفّذ تعهّده الإنتخابي، ولكنّ “النوّاب ما خلّوه”، وبهذا يتجنّب غضب الشارع والنقابات ويحمي الحكومة التي “تعيش بسبب تفتّت المعارضة، لا أكثر ولا أقل”.

ولكنّ ماكرون اختار الطريق الصعب، فلجأ الى صلاحيّة استثنائيّة منحها الدستور للحكومة، وقرّر السير بقانون رفع سن القاعد، من دون تصويت، في “الجمعيّة العموميّة”، بعدما أشبعه النوّاب والشيوخ، درسًا وتعديلًا.

وهذا يعني أنّ ماكرون قرّر مواجهة القوى الحزبيّة المعارضة والنقابات العمّالية، وارتضى أن يدفع أثمانًا غالية، من شأنها، إذا تفاقمت الأمور، أن تسبّب بمحاصرته سياسًّا وشعبيًّا وعمّاليًا، وتدفع به الى حافة الإستقالة.

لماذا فعل ماكرون ذلك؟

في قراءة بسيطة، يظهر أنّ عيون الأسواق المالية شاخصة إلى هذا الإصلاح، فإذا سقط حلّت الكارثة على فرنسا، بحيث تنمو المديونية العامة وترتفع نسب الفائدة وتتضاعف الضغوط الأوروبيّة على فرنسا ويصبح صندوق التقاعد في خطر كبير، بعدما دخل في عجز حقيقي.

وهذا يعني أنّ الاقتصاد الفرنسي، في غياب هذه الخطوة الإصلاحيّة، سوف يتقهقر، ومعه القوة الشرائية للفرنسيّين الذين يدفعون، حاليًا، أثمانًا كبيرة لزمن ما بعد كورونا، ولفترة الحرب الأوكرانيّة، ولمرحلة الركود العالمي.

كان ماكرون أمام خيارين: أوّلهما، النجاة بالنفس من خلال ركب موجة شعبويّة، وثانيهما، ركب مخاطر المواجهة من أجل إنقاذ اقتصاد بلاده.

وقد اختار ما اعتبره المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة، وقد وقفت معه، في هذا التوجّه رئيسة الحكومة إليزابيت بورن التي تعرف أنّها ستكون أولى ضحايا هذه المواجهة، إذ سبق أن أبلغت النوّاب أنّها مستعدة، وبكل راحة ضمير، أن تدفع الثمن.

فرنسا، وبفعل خطوة ماكرون هذه سوف تشهد أيّامًا أصعب من تلك التي تواجهها حاليًا، إذ إنّ الإضرابات ستزداد وتصبح أكثر أذية، والتظاهرات سوف تتضاعف وتصبح أكثر استقطابًا، لكنّ بين إرضاء الشارع ومراعاة مصلحة الفرنسيّين، سلك الرئيس الفرنسي الطريق الوعر.

كثيرون من الناطقين باللغة العربيّة لا يحبّون ماكرون، منهم لأسباب “دينيّة” ومنهم لأسباب “جيو سياسيّة”، لكنّ كثيرين أيضًا يتأمّلون في الخطوة التي أقدم عليها، ويتذكّرون مثلًا، الطبقة اللبنانيّة الحاكمة التي تجاهلت، من أجل إرضاء الناس، عشية الانتخابات النيابيّة، في العام 2016، كلّ التحذيرات، وذهبت جماعيًا، وفي سياق مزيدات شعبويّة، إلى إدخال تعديلات جذريّة على سلسلة الرتب والرواتب، في خطوة أساسيّة من سلسلة الخطوات التي أسقطت اللبنانيّين في جهنّم.

وفي فرنسا يُدرك جميع الإقتصاديّين أنّ قرار رفع سنّ التقاعد لم يعد “ترفًا”، ولكن كان يفتقد الى قياديّين مستعدّين أن يدفعوا الثمن.

إيمانويل ماكرون رفع أصبعه وقال:” حاضر!”

المقال السابق
"قنوات التواصل ناشطة بين ماكرون وبرّي"
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

هكذا صنع نتنياهو "سهام الشمال"!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية