سماحة السيد علي خامنئي أبدأ رسالتي بتعزية نفسي وتعزية اللبنانيين بالثمانين شابا الذين قُطِفت أعمارُهم الفتية خلال المناوشات بين مؤيديكم وبين الجيش الاسرائيلي، المناوشات التي كنا بغنى عنها والتي حصلت تحت شعار مساندة حركة “حماس” خلال حرب غزة التي شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل همجي. اسمح لنفسي سماحة السيد أن أقول أن اللبنانيين بأكثريتهم الساحقة، سنّةً وشيعةً ودروزًا ومسيحيين، كل المسيحيين والدروز ومعظم السنّة وعدد كبير جدا من الشيعة ، يريدون أن يدعموا الفلسطينيين ولكن ليس عسكريا تماماً مثل أشقائهم في مصر والأردن وبقية العالم العربي وتركيا وإيران، الدعم المدني السلمي الإعلامي الثقافي والإنساني والسياسي طبعا. فلماذا فرضتم على اللبنانيين وحدهم تورطا عسكريا ذهب بثمانين شابا وشابة وطفلة كانت لهم أحلامهم ومشاريعهم المستقبلية في تأسيس حيوات مزدهرةومستقرة.
لقد قرأت على الفايسبوك مؤخرا واقعة قيل أنها تعود إلى لقاء عام 2011 كان يجمعك برئيس حكومة لبنان آنذاك سعد الحريري ومعه وزيرالإعلام في حكومته الدكتور طارق متري خلال استقبالك لهما في طهران. وتقول الواقعة أن السيد الحريري طلب منك أن تساعد الدولةاللبنانية في معالجة موضوع سلاح “حزب الله” فقلت لزائريْكَ أن لبنان بلد جميل، وأنه يشبه الفتاة في قصة أحدب نوتردام التي حملت سكينا لكي تحمي نفسها. وأنك سألت مَنْ مِنَ الزائرَيْن قرأ رواية فيكتور هوغو ويعرف إسمَ الفتاة؟ فأجاب طارق متري أن إسمها أسميرالدا فهنأته سماحتك على كونه شخصا مثقفاً. وقد سألتُ شخصياً السيد متري عن مدى صحة الواقعة فأكّدها لي واستأذنتُه بالكتابة عنها. فوافق. وأشير قبل الانتقال إلى بحث الخلاف معكم أنه في لبنان تُدرّس وبالفرنسية قصة أحدب نوتردام في عدد كبير من المدارس كما أن مطربة لبنانية هي السيدة هبة طوجي جرى اختيارها قبل سنوات لتلعب دور الفتاة أسميرالدا في الفرقة الفرنسية العالمية التي تقوم بعرض القصة كمسرحية غنائية على أكبر مسارح فرنسا والعالم، وقد أتيح لي شخصيا في بداية عام 2017 أن أحضر هذه المسرحية مع عائلتي في قاعة قصر المؤتمرات في باريس. وأتمنى بما أنك من المعجبين بالقصة أن تدعو السلطاتُ الإيرانيةُ هذه الفرقةَ لعرض مسرحيتها في طهران أوغير طهران من المدن الإيرانية العريقة لأن الجمهور الإيراني بنخبه المثقفة والمتمدنة يستحق أن تُتاح له هذه الفرصة، خصوصاالملايين من شاباته وشبابه اللواتي أظهرن والذين أظهروا مرارا تعلقَهم الحيوي بقيم الثقافة والحريات وأكّدن وأكدوا ذلك التعلق في مناسبات مختلفة في ساحات المدن الإيرانية رغم فداحة الأثمان التي دَفَعْنها ودفعوها.
التشبيه الذي استخدمتم للفتاة أسميرالدا وسِكّينِها لا شك ذكي جدا من حيث أنه يوجِّه التشبيه نحو افتراض فكرة كون سلاح “حزب الله” يدافع عن لبنان من وجهة نظر سياسة الدولة الإيرانية. الدفاع عن لبنان؟؟؟ ما نحن بصدده هنا هو فكرة توريط لبنان في حرب أو حروب هوبغنى عنها بعدما أنجز تحرير أرضه عام 2000، هذا التحرير الذي تمّ بتضافرعامِلَيْن كبيرين الأول هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي على مدى جيلين من المقاومين اللبنانيين ينتمون إلى عدد من التوجهات العقائدية اليسارية والقومية والدينية المختلفة ، والثاني الجهود الديبلوماسية الطويلة الأمد للدولة اللبنانية في المحافل العالمية الفاعلة. فاللبنانيون يريدون أن يعيشوا ضمن إمكاناتهم كدولة صغيرة متميزة و مسالمة ولكنها حاليا تواجه أزماتٍ خانقةً اقتصاديةً وبالتالي اجتماعية وحتى وجودية. فلماذا يُحرَم لبنان من تركيز دعمه للفلسطينيين بوسائل سلميةوثقافية وإعلامية وإنسانية بينما يُعطى هذا الحق لدولة صديقة لإيران وكبيرة مثل تركيا. لقد دفع اللبنانيون في الخمسين عاما الأخيرة، وهم عادوا يدفعون اليوم، ثمن فرض الخيار العسكري عليهم مع أن هذا البلد الجميل والغني ثقافيا باستطاعته أن يكون غنيا ومبدعا في دعم القضية الفلسطينية. وهذا يطرح مسألة فكرية مهمة، هي هل يجوز أن يصادر الفكر العسكري كل ما عداه في الصراع على القضايا المحقةوحيث يوجد من هم أكثر أهليةً، حجما وإمكانات، للدور العسكري الذي يصبح تدميريا عندما لا تتناسب الإمكانات والبيئة الوطنية المتعددةالطوائف والطائفيات السياسية مع الدور كما يحصل في لبنان حاليا. وكما تعلم جيداً فإن مؤيديكم هم جزء من النظام الطائفي اللبناني ويستمتعون في المشاركة في التحاصص على النفوذ الاقتصادي والإداري فيه وفي كل المجالات. أَصِل هنا إلى التذكير في مسألة تقليدية جدا في النقاش بين الطائفيات اللبنانية هي حول “من يملك قرار الحرب والسلم” إذا لم تكن الدولة اللبنانية، المفترض أن يحصل هذا القرار من ضمن آلياتها وقوانينها.
كنا بغنى ولا نزال عن المناوشات العسكرية المكلفة بشريا وعمرانيا التي حصلت وتحصل خارج الإرادة الفعلية لمعظم اللبنانيين، معظمهم الساحق بالمعنى الحرفي للكلمة.
إن كون المناوشات العسكرية حصلت بين مؤيديكم وإسرائيل، وقد تتحول إلى حرب على غرار حرب 2006 في جبل عامل الذي هو جزءعزيز ولا يتجزأ من الكيان اللبناني، لا يعطي أي جهة فئوية حق خوض الحرب لا باسم اللبنانيين ولا باسم أي طائفة منهم لأن ذلك يرتبط بالمصير الوطني ككل.
والخيار اللبناني واضح: لا نريد الحرب، أي حرب، في الوقت الذي سنستمر، أيضا الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، في إصرارنا عبر الدولةاللبنانية وطاقات المجتمع اللبناني على الدعم المدني السلمي الثقافي السياسي الإنساني للقضية الفلسطينية حتى تحقيق الدولةالفلسطينية المستقلة.
سماحة السيد خامنئي:
اسمح لي أن أذكِّرك أني من جيل نشأ وعيه السياسي على الالتزام بالقضية الفلسطينية وهو جيل متعدد التجارب منذ نهاية الستينات من القرن المنصرم، ولكنه أيضا جيل اختبر بمرارة سقوط الدولة اللبنانية بين 1975- 1990 وعانى الكثير من أن لا يكون المرء محمياً بدولته الوطنية . أليس هذا جوهر المشكلة الفلسطينية أو أحد جوهرَيْها كقضية استيطان عنصري ولا دولة؟ فلماذا نسمح للبعض في لبنان أن يعيدناإلى اللادولة؟ وأنتم سماحة السيد ولو كنتم من دولة - أمة عريقة ومتعددة القوميات لم تختبروا معنى فقدان الدولة. اختبرتم تسلطَ الدولة في مراحل مختلفة من تاريخكم ولكنكم لم تختبروا فقدان الدولة.
مع الاحترام بيروت
النهار