"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

جهاد الزين/ لا جدوى الكتابة السياسية في لبنان الانحطاط

الرصد
الأربعاء، 13 سبتمبر 2023

جهاد الزين/ لا جدوى الكتابة السياسية في لبنان الانحطاط

تَعَلَّمْنا من #أوروبا والغرب أنه لا معنى ولا جدوى من الاهتمام بالعمل السياسي إذا لم تكن السياسة صراع مشاريع يشمل معظم نخب المجتمع وفئاته. وكذا الكتابة السياسية التي أمارسها منذ ما يتجاوز الأربعين عاما. لكني للمرة الأولى أسأل نفسي كل يوم : ما جدوى الكتابة السياسية في بلد بلغت حياته العامة هذه الدرجة من الانحطاط لا بل من الاهتراء الذي يَنْبُت العفنُ، وهو كائن حي أيضا، على جنباته، وتفقد السياسة فيه أي أمل بكونها رافعة خلاص، وتسيطر عليها بإحكام قوى متمكنة من #الفساد والتسلط والتوحش.

السؤال يشمل المنطقة بأعمق معانيه، المنطقة التي خرجت من التاريخ كما تبدو صورتها حاليا. ولولا كلمة حاكم طموح وجريء كلأمير محمد بن سلمان : سيكون الشرق الأوسط أوروبا الجديدة، لَما سمعنا في السنوات الأخيرة أي جملة سياسية متفائلة، ولكنه تفاؤل نرجو أن يكون شاملا لمنطقة “الهلال الخصيب” أو بلاد الشام والعراق وليس فقط منطقة الخليج وجارتها فلسطين المحاصرة حاليا داخل إسرائيل الدولةالوحيدة المزدهرة في هذا الهلال.

لماذا الكتابة السياسية في لبنان الانحطاط، وهل نطلب من الصحافة المتراجعة أصلا، أن تستبدل الكتابة السياسية، بل الثرثرة السياسية،بكتابات من نوع آخر ثقافية أو سياسية بالمعنى المعاصر الرفيع للسياسة، كالكتابة البيئية والكتابة المناخية أو التربوية من حيث استمرار وجود نخبة من الجامعات والمدارس ذات المستوى العالي القادر على المنافسة، على الأقل في الشرق الأوسط. أو أن تعزز الصحافة ُالكتابةَالأدبية والسياحية أو أن تلغي كل أنواع كتابة الرأي السياسي لصالح فقط تحقيقات ميدانية أو استقصائية، وأتحفظ على تعبير”استقصائية” لأنه من الثابت أن الصحافة الاستقصائية الفعلية لا الشكلية يرتبط وجودها بوجود دولة قانون محترمة وليس دولة عصابات مقنعة بيافطات أيديولوجية.

لا يبدو لي هناك مخرج فعلي حاليا لمعضلة الكتابة السياسية، فيما العفن يأكل وجوه حياتنا العامة، ولا زال أبطال الانحطاط يتصدّرون صفحات الصحف.

كيف لكتابة سياسية أن تكون مدفوعة بمُثُل دنيا لا عليا؟ فتفوح رائحة العفن من المستقبل بدل حوافز التقدم!

لا حق حاليا في لبنان يعلو على شرعية حق الهجرة من بلد منهار. الهجرة الشرعية لكفاءاته. ولكن الكتابة السياسية هي بهذا المعنى حق المقيمين من أبنائه. لمنْ إذنْ نتوجّه؟ وكيف ولماذا؟ حين تفقد السياسة لا حوافزها العليا فحسب، بل بمعنى معيّن جمهورها الغارق في النكبات اليائسة أيضاً؟

المعضلة عميقة. وأقترح سلسلة ندوات بإدارة من كلية علوم سياسية في إحدى الجامعات الكبرى تطرح مسألة جدوى ومعنى الكتابةالسياسية في لبنان اليوم واتصال البحث بكل مظاهر الانهيار وتحديات المستقبل.

الكتابة السياسية عادةً تساهم في قيام نِصاب البلد. قد لا تولد منها كل الأفكار الجديدة ولكنها تمنح التفكّر في الشأن العام طاقة واصلة من التفاعل بين فئاته ومؤسساته العامة والأكاديمية والخاصة. اليوم عدا تماحك الحياة السياسية حول شعارات غالبا جوفاء، فإن مصطلحات مثل “إعادة بناء الدولة” تبدو غالبا بلا معنى ولا تعنيها بل تفهمها قوى غالبها ساهم في إسقاط مؤسسات الدولة سواء في الحرب أو السلم.

قد يرغمنا الشأن العام في لبنان على استمرار الاهتمام الكتابي به، ليس فقط في ما لا يزال يختزن من ظواهر إيجابية ولكن أيضا في ما لايزال يكتنز من فضائح مدوِّية كقنابل لم تنفجر بعد. لذلك فإن حبر الصحافة “التعليقاتي”لم يجف نهائيا حتى لو بدا كبركان خامد. رغم الحرب الأهلية 1975- 1990 وبين دوي المدافع كان هناك نقاش حول إصلاحات النظام السياسي حتى لو تبيّن لاحقا سذاجة معظم الأفكار المتداولة قياسا بتأثيرها على تماسك الدولة اللبنانية وتحويلها إلى دولة غير قابلة للحكم.

اليوم النقاش فارغ ويفتقر ليس فقط إلى رجال دولة حقيقيين، وليس، كما هو الحال، ميليشياويين وفئويين فاقدي الشرعية الأخلاقية بعدانكشاف فسادهم المدمِّر للدولة. كل هذا يحدث في لبنان الانحطاط بينما يعيش بعض المنطقة، وجزء مهم من الشرق الأوسط يتقدمه الخليج، حالة أو حالات من التكيف والانخراط في مشاريع دولية كبرى متنافسة لربط القارات لا موقع في معظمها للبنان لولا مصادفة شبكة استخراج الغاز بينما تقف إسرائيل على مستويات مختلفة في خضمِّه الحيوي.

لكن هذا أفق مهم إقليمي ودولي للسياسة يحتاج إلى رصد خاص.

النهار

المقال السابق
رندة درويش/ أين تكمن خصوصية السويداء وأقليتها الدرزية أمام النظام السوري؟

الرصد

مقالات ذات صلة

"المرأة الغامضة" وراء الشركة المرخصة لأجهزة "البيجر" المتفجرة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية