جدّد دماغك بالتعلّم حتى لو بلغت من العمر...عتيًّا
“لما كِبِر وشاب أرسلوه للكتّاب”، مثل لبناني فيه الكثير من السخرية، إذ يقال لكل من تساوره نفسه بتعلّم لغة أجنبية، أو ممارسة الرقص، أو العزف على ألة موسيقية… لأنه ببساطة “لم يعد في عمر العشرين”.
إلا أن الدراسات لم تثبت أن الزمن فات على هذه المقولة فحسب، بل أظهرت على العكس من ذلك، “كلما بذلت مجهودًا للمحاولة، سيشكرك دماغك”.
وقد أظهر فريق الباحثة راشيل وو من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد بإظهار أن أي نوع من التعلّم في سن متقدمة ليس ممكنًا فقط، ولكنه أيضًا يحسّن من القدرات المعرفية لدرجة تصبح معها تعادل قدرات طالب جامعي في سنوات دراسته الأولى.
لإثبات ذلك، أجرى الباحثون اختبارَيْن مستقلين ولكن متشابهين، أولهماً مع ستة أشخاص وثانيهما مع ٢٧ شخصًا يتراوح متوسط أعمارهم بين٦٦ و٦٩ عامًا، وليس لديهم أي اضطرابات عقلية كتلك التي يمكن ان يواجهها المرء مع تقدم السن، مثل انخفاض التركيز أو النسيان، والتي تُعرف بـ “انخفاض الوظائف الإدراكية المرتبط بالعمر”.
أجرى فريق الباحثة وو على المشاركين اختبارات إدراكية لتقييم وظائفهم التنفيذية، أي كل ما له علاقة بالذاكرة القصيرة الأجل، والتخطيط، والانتباه، والاستدلال… والطويلة الأجل مثل “الكلامية السردية”، كما جرى تعليمهم، خلال ثلاثة أشهر وبمعدل لا يقل عن ست ساعات في الأسبوع، ثلاث مهارات جديدة من اختيارهم كتعلّم لغة جديدة، أو الرسم، أو العزف على آلة موسيقية، أو التصوير الفوتوغرافي، أو استخدام الكمبيوتر اللوحي… وجاءت النتيجة، بأن شهد جميع المشاركين بعد مرور ثلاثة أشهر تحسّنًا في وظائفهم الإدراكية، واستمر لدى البعض إلى أكثر من سنة من انقضاء مدة التدريب.
وأكدت استنتاجات هذا البحث بشكل قاطع أن الدماغ يبقى قابلاً للتشكيل في جميع الأعمار، وقادرًا على إعادة هيكلة نفسه لاستيعاب مهارات جديدة، وأن أي تحفيز للخلايا العصبية من خلال اكتساب مهارة جديدة، سواء كانت لغوية أو حركية أو عقلية، يمكن أن تجدّد الدماغ وتبطئ بالتالي تدهور الوظائف الإدراكية المرتبطة بالعمر.
لذا، دعونا لا نخاف من النقد أو الفشل، فنحن قادرون على التعلّم حتى مع تقدم العمر، لأن ذلك يمثل علاجًا وتجديدًا لعقولنا.
