برز سمير جعجع في خطابه بعد القداس السنوي الذي يقيمه “حزب القوات اللبنانية” لراحة أنفس “شهداء المقاومة اللبنانية”، مسالمًا بامتياز، إلى درجة دفعته الى التصدي لجمهور من المحازبين بعدما هتفوا “إرهابي. حزب الله إرهابي”. وهذا شعار يرفعه “القواتيون” في مواجهة شعار آخر طالما استعملته جماهير “حزب الله” ل”شيطنة جعجع”: “صهيوني. سمير جعجع صهيوني”!
لم يتضمن خطاب جعجع الطويل نسبيًّا أيّ انحراف عن خط السلمية، فلم يدخل في “دهاليز” صراع الأحجام ولا في “لعبة” الدفاع عن الذات حتى من أحدث التهجمات التي تعرض لها، فوليد جنبلاط ، مثلًا، لم يكن حاضرًا بممثلين عنه فحسب بل كان كذلك حتى في خطاب صاحب المناسبة الذي قال إنّه سيدافع برمش العين عن مصالحة الجبل!
ولكن سلمية جعجع البارزة لم تمنعه من أن يظهر مقاومًا بالدرجة الأولى لمشروع “حزب الله” في لبنان، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الداخلي.
لم يخرج جعجع عن مساره المعتاد، لا في موقفه من ملف توريط لبنان في الحرب التي لا تخدم غزة والفلسطينيين بشيء بل تستغلهم لأهداف خاصة بالمحور الإيراني، ولا في موقفه من وجوب أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية، وفق إرادة الدستور، لا وفق تطلعات “حزب الله”.
ولم يغلق جعجع الباب على أي من الطروحات الخاصة بمستقبل لبنان، بل أرجأها الى ما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حتى يكون كل ما له علاقة بمستقبل النظام اللبناني مطروحًا على طاولة الحوار الفعلي، تحت سقف الحدود والوحدة.
ولكن الأهم في خطاب جعجع أنّه، في هذا الظلام الذي يخيّم على اللبنانيين، قرر أن يمارس ما يفترض بكبار السياسيين أن يحترفوه: صناعة الأمل!
كان خطابه مليئًا بالأمل، بحيث أتى شبيهًا بشعار هذه الذكرى: “الغد لنا”!
وبصدق، لا يحتاج اللبنانيين في هذه المرحلة إلى شيء أكثر من الأمل. الأمل، يبدو بالنسبة لهم، أبدى من الرغيف والدواء والماء والهواء.
وبالفعل، من يريدون أن يفرغوا لبنان من طاقاته وشبابه، يمتهنون صنا عة التيئيس. من يوهمون اللبنانيين بأن الغد للمشروع الإيراني، وللحرب، وللموت، وللدمار، ولتغيير هوية الوطن، وللفاسدين ومافياتهم، وللمنهزمين وحرتقاتهم، هم صنّاع التيئيس!
سمير جعجع لم يطلق مقاومة استثنائية ضد أحد. لم يدع الى تجمع ولا إلى تظاهرة ولا الى تسلّح ولا الى شتيمة ولا مواجهة. ركز جهده على إعادة بث الأمل. أعلن الحرب على اليأس!
والأوطان لا تبنى، في الواقع، إلّا على قاعدة الأمل. اليائس يسلّم نفسه وأهله ووطنه للجحيم. اليائس يقبع في الزاوية محبطًا. اليائس يبحث عن منافذ للهرب. اليائس يكفر بكل شيء. اليائس يُفسد المجتمع!
والأوطان لا تبنيها التوقعات السيئة. السيناريوهات السيئة ممكنة في كل مجتمع حتى في الدول القوية والثرية والرائدة. الأمل هو الحل، لأنّ مقاومة أمر الواقع تحتاج الى الأمل، والتطوير النوعي يتطلب الأمل، وتجسيد الأحلام مستحيل بلا الأمل، وامتلاك الغد مجرد سراب بلا أمل.
بهذا المعنى، وضع خطاب جعجع النقاط على الحروف!
والأمل كل الأمل أن يكون النهج في خدمة هذا الأمل، لأنّ أخطر ما في صناعة الأحلام أن تنتج أوهامَأ!