تتصدّر رؤى المشاريع الانفصالية حديث الساعة حينما يصل الكلام إلى #السويداء والمستجدات الحاصلة م ع استمرار انتفاضة الدروز ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، ودخول التحرّكات النصف الثاني من شهرها الثاني، وهي مستمرّة، ولا شيء يُشير إلى أنها ستخمد في وقت قريب، ممّا يستدعي تفحّص الوضع السياسي للمنطقة في ضوء جديدها.
قبل أيام قليلة، نشر المحلّل الأميركي من أصل لبنانيّ وليد فارس، المعروف بقربه من دوائر الكونغرس في الولايات المتحدة، تغريدة مشبوهة، أشار خلالها إلى “اتجاه لإعلان “منطقة حرّة درزية” في السويداء، بموازاة تقارير عن إقامة إدارة أمنية وسياسية ذاتية أو محلية، على أن تحظى بممر اقتصاديّ وإنسانيّ عبر الأردن”، وهو موقف لاقى معارضةً واسعة من قبل قيادات وفاعليات درزية.
رفض #وليد جنبلاط هذا الطرح بشكل مباشر، وهو يرفض لا بل يُهاجم الطروحات التقسيمية، خصوصاً إذا ما قامت على أسس طائفية، ويُعارض كل فكرة تتحدّث عن “دولة درزية”، وردّ على فارس بالقول إن “دروز السويداء بقيادة الشيخ حكمت الهجري جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، يريدون الحرية والكرامة”، محذّراً من “أصوات اليمين الصهيونيّ أمثال وليد فارس”.
وبالرغم من الرفض العام للطروحات الانفصالية، وبالرغم من تأكيد المتظاهرين في السويداء انتماءهم ل#سوريا والشعب السوري، واقتصار مطالبهم على وجوب إسقاط النظام السوري وبشار الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254، فإن موقف فارس المقرّب من دوائر القرار الأميركي يستدعي المتابعة الدقيقة، لا سيما أن ثمّة مؤشرات تُعزّز من هذه الطروحات، منها تجربة شمال شرق سوريا.
كارنيغي: سوريا نحو نظام الكانتونات الباحث في مؤسسة “كارنيغي” للشرق الأوسط خضر خضّور يعتبر أن سوريا تتجه نحو تقسيم مناطقها إلى كانتونات، أي مناطق تتمتّع بحكم ذاتي، لها نظامها الدفاعي وإدارتها الخاصة التي تؤمّن استمرار الحياة فيها، مشيراً إلى أنّ من شروط الكانتون أن يكون له منفذ على الحدود الدولية، وليس محاصراً في داخل الدولة، وأن يتمتع بعلاقات خارجية، وهي حال محافظة إدلب، وشمال شرق سوريا.
وفي حديث لـ”النهار”، يُشير إلى أن السويداء لن تكون بعيدة من موجة الكانتونات التي تجتاح المنطقة، وهي التي تقع عند الحدود مع الأردن؛ وبالتالي، فإن شرط المنفذ موجود، ثمّ إن أهالي السويداء قطعوا العلاقة مع المركز، أي دمشق، في وقت لم تقطع دمشق العلاقة بعد، ولا تزال تصرف الرواتب. لكن السويداء لا علاقات خارجية لها حتى الحين بخلاف منطقتي إدلب والسيطرة الكردية، وبالتالي فإن نمط الكانتون لم يتحقّق بعد.
ويرى خضّور إرادة داخلية في سوريا للاتجاه نحو “الكنتنة”، وهي تشمل السويداء، في ظل فقدان الدروز، وعلى رأسهم المشايخ، الثقة بالنظام، في الوقت الذي لا يرى قراراً خارجياً يدفع في هذا السياق، مع ملاحظته أن مشروع الكنتنة في حال تحقّق قد يتلاقى مع مصالح أجنبية، #إسرائيلية بشكل خاصّ، بهدف إبعاد إيران عن حدودها وتفكيك سوريا، وفق خضّور.
وفي الحسابات الإقليمية، يشير خضّور إلى أن السويداء ليست على حدود إسرائيل كما هو واقع درعا. لكن تل أبيب قد تفضّل وجود منطقة عازلة انفصالية، بالرغم من عدم سعيها لذلك، لأنّ تفاقم الوضع في السويداء، وتدخّل النظام السوري سيعني دخول إيران إلى المنطقة. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن وجودها في سوريا مرتبط بالحدود مع العراق، ولا مصالح لواشنطن في الجنوب السوري.
رفض للتقسيم في السويداء لهذه الأسباب في المقابل، ثمة رؤية مختلفة للكاتب والباحث السوري جمال الشوفي، من موقع مراقب ميدانيّ في السويداء، حيث يُشير إلى أن “الطروحات الانفصالية هي عبارة عن نزعات فرديّة لدى بعض الأشخاص الطامحين في العمل السياسي، والمنتمين إلى أحزاب جديدة، لكنّهم قلّة بين أكثرية ترفض المشاريع التقسيميّة، وترفع مطالب واضحة، تتحدّث عن إسقاط الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254”.
وفي حديث لـ”النهار”، يُفصّل الشوفي رؤيته، ويقول إن “المشهد العام يُدرك أن القضية ليست مسألة حكم ذاتيّ وإدارة موارد، خصو صاً أن لا موارد اقتصادية في السويداء، إذ لا بترول، ولا خام، ولا كهرباء، ولا معامل ولا مصانع، وبالتالي فإن العوامل الاقتصادية التي تُمكّن أهالي السويداء من الانفصال غير موجودة، بعكس حال شمال شرق سوريا والأكراد، حيث النفط”.
ويُتابع الشوفي: “من يطرح المشاريع التقسيمية لا يُدرك حقيقة الحراك الحاصل في السويداء، ولا يُدرك مدى ترابط المحافظة بالهوية السورية. وأهالي المنطقة يعلمون أن الانفصال سيكون عبارة عن انغلاق وانعزال”، ويُذكّر بتجربة مشابهة في العام 1925، حينما كانت المقوّمات المادية موجودة، وكان ثمّة مشروع دولة درزية في لبنان وسوريا، ورفضه دروز البلدين.
وعن توقعاته للمرحلة المقبلة، يلفت الشوفي إلى أن “تطوّر الأمور في الشهرين المقبلين سيكشف توجّه المنطقة. ففي حال لجأ النظام السوري إلى عزل السويداء وقطع الإمداد عنها، فقد يكون ثمّة تفاهم بين أهالي المحافظة والمناطق المُجاورة كدرعا والقنيطرة على إدارة ذاتية موقّتة للمنطقة إلى حين موعد الحلّ السياسيّ في سوريا”.
أما بالنسبة إلى موقف وليد فارس، فيقرّ الشوفي بقربه من دوائر القرار في واشنطن، وبعدم عبثية ما صرّح به، لكنه في الوقت نفسه يُشير إلى موقف مساعد وزير الخارجية الأميركي، الذي اتصل بالهجري، وشدّد على أهمية تطبيق الق رار 2254. وبرأي الشوفي، فإنّ هذا التناقض يعكس تماماً توجّهات السياسة الأميركية التي تلعب على الحبلين لضمان مصالحها في كلتا الحالتين.
وعن مصلحة تل أبيب في انفصال السويداء وإقامة منطقة عازلة جنوباً، يرى الشوفي أن السويداء تتشارك الحدود مع الأردن وليس إسرائيل، ومن مصلحة الخليج العربي والأردن وقف عمليات تهريب المخدرات التي يقوم بها النظام السوري عبر المحافظة. لكن هذا الحل يكمن في تطبيق الانتقال السياسي في سوريا، وليس في تقسيم المنطقة حتى الحدود، لأن الحدود من السهل اختراقها.
وحول الاتصالات الخارجية التي تحصل مع الشيخ الهجري، والاتهامات التي يسوقها النظام السوري وحلفاؤه حول صلة التحرّكات في السويداء بإرادة خارجية وغربية، يؤكّد الشوفي من موقع المطّلع أن الاتصالات تقتصر على التأكيد على سلمية التظاهرات من جهة، وتطبيق القرار الأممي 2254 من جهة أخرى، نافياً طرح مشاريع انفصالية نهائياً.
في المحصلة، فإن مشروع الانفصال غير قابل للتطبيق سريعاً، والسبب الأبرز قد يكون غياب الموارد الاقتصادية في السويداء من جهة، وغياب البُعد الإقليمي الدولي للمحافظة، خصوصاً أن ما من دولة راعية للدروز تؤمّن مصالحهم كالأكراد في شمال سوريا، مع احتمال أن يبقى الحكم الذاتيّ موجوداً في المدى المنظور، حتى يُطبّق الانتقال السياسي.
النهار