يوم امس السبت قفل الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي المولج بالملف اللبناني جان ايف لودريان عائدا الى باريس. قابل معظم القوى السياسية ، وعددًا من الشخصيات المرشحة لرئاسة الجمهورية ( سيلتقي الأسبوع المقبل في باريس المرشح جهاد ازعور) . كان مقلًّا في الكلام . آثر الاستماع الى ما يقوله اللبنانيون اقله حول ازمة الفراغ الرئاسي . استمع طويلا لكل الطروحات و الأفكار . سوف يجوجلها في باريس ، ويرتبها، و يرفع تقريرًا للرئيس ماكرون . لكن لا جديدا في ما سمعه لودريان في لبنان . كل ما قيل له سبق ان سمعه المسؤولون في خلية الاليزيه ألف مرة و مرة . فالبلاد منقسمة انقساما عاموديًّا بين توجهين : الأول يقوده “الثنائي الشيعي” الذي يرشح رئيس “تيارالمردة ” رافضًا التفاوض على تسوية تنهي الفراغ الرئاسي الذي يدوم منذ ثمانية اشهر من دون ان تلوح أي إمكانية لانهائه بشكل طبيعي ، ما دامت مفاتيح مجلس النواب بيد الثنائي الشيعي الذي يصادر “ام المؤسسات ” الدستورية بأساليب ملتوية لا داعي لتفصيلها. و الثاني يتمحور حول موقف النواة المسيحية الصلبة التي تشكلها الكتل المسيحية الثلاث الكبرى في مجلس النواب و معها شخصيات برلمانية مستقلة و كتل معارضة سيادية . فلو ان رئيس مجلس النواب و حلفاءه لم يعملوا على تهريب نصاب الدورة الثانية من الانتخاب يوم ١٤ حزيران الماضي لربما توصلنا الى انتخاب رئيس جديد ( جهاد ازعور) . لكن مسار تجويف الدستور من معناه و روحه ، والتمسك بعقلية الفرض و الاكراه حالت دون إتمام الاستحقاق . انما و الحق يقال يجب الاعتراف في مكان ما ان البلاد منقسمة عاموديًّا ، و بشكل شبه متوازن . ليس هناك من توجه له غلبة ساحقة ( ديموقراطيًّا )على الأخر ، بالرغم من ان الموقف المسيحي المعارض لخيار “الثنائي الشيعي ” الرئاسي يمثل غالبية ساحقة من الأصوات المسيحية في مجلس النواب ، و يعكس مناخا شعبيا غالبا ، و رأيًا عامًا مناهضًا لخيار “الثنائي الشيعي ” و أسلوبه في التعامل مع بقية البيئات اللبنانية .
اذن، فإن ّ الموفد الفرنسي جان ايف لودريان يمتلك فكرة واضحة عن المشهد في لبنان، وباريس تحتاج ان تعيد التفكير في مقاربتها السابقة ، علمًا انّ ل”الثنائي الشيعي ” مصلحة جلية بمواصلة باريس الضغط على الفريق الآخر لحمله على الإذعان له . لكن طريق الإذعان مقفل ، وسيظل مقفلًا ، لان المعادلة المطروحة لا تتعلق بشخص المرشح سليمان فرنجية و مواصفاته ، بمقدار ما تتعلق بمرحلة ما بعد الانتخاب ، والآثار التي ستنجم عن استحواذ “حزب الله ” بالتحديد على أهم ورقة في معادلة توزيع الحصص في السلطة ، أي رئاسة الجمهورية. هذا هو لب الموضوع ،خطر ابتلاع “حزب الله” الدولة ومؤسساتها دفعة واحدة على جميع المستويات في سياق سياسته المنهجية لتغيير هوية البلاد ، وتوازناتها ، وديموغرافيتها ، وواقعيها العقاري و السكاني، وثقافتها المتنوعة ، فضلًا عن الحريات العامة والخاصة . اكثر من ذلك، فإنّ فرنسا اكثر الدول المعنية بلبنان إدراكًا بأنّ معادلة السلاح غير الشرعي الذي يمسك به “حزب الله” لا تصنع وطنًا، و لا دولة ، و مآلها ان تفتت ما تبقى من رغبة في العيش المشترك الواقف على خيط رفيع .
خلاصة القول ، اننا نأمل ان يثبت جان ايف لودريان الافتراق النهائي عن المقاربة السيّئة السابقة .