"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

إسرائيل تُنجز عملية "جراحة الخيال الترهيبي" في ذهن "حزب الله"!

فارس خشّان
السبت، 21 سبتمبر 2024

إسرائيل تُنجز عملية "جراحة الخيال الترهيبي" في ذهن "حزب الله"!

في إسرائيل، ,يعرب محللون سياسيّون وعسكريّون كثر عن استغرابهم عدم إقدام قواتهم المسلحة على “استثمار” حال الضياع والبلبلة والإحباط والتشتت التي ألمّت بـ”حزب الله”، بعد انفجار أجهزة “بايجر” الخاصة به، ومن ثم أجهزة “توكي ووكي” التي يستعملها. ما يثير استغراب هؤلاء، تتقاسمه قيادة “حزب الله” نفسها، بعدما اعتقدت بأنّ المستويات العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية لن تمرر إنجاز أكبر خرق أمني على الإطلاق، من دون هجوم صاعق يُترجم قرار الحرب على الحزب تحت عنوان “الإعادة الآمنة لسكان الشمال الى منازلهم”، خصوصًا بعدما تلقى الوسطاء، مساء الثلاثاء، أي عقب انفجار أربعة آلاف جهاز ضمن شبكة “الإشعار” بحامليها، رفض الحزب وقف النار على الجبهة الشمالية بشكل مستقل عن وضعية قطاع غزة الحربية، الأمر الذي عاد وجدده الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، في كلمته الأخيرة، عصر الخميس، أي بعد تفجير أجهزة التواصل اللاسلكية.

لتوضيح هذه الإشكالية، كان لا بد من الحصول على معطيات موضوعية. في إسرائيل، يتكلم من يجهل ويصمت من يعرف، لأنّ هناك قرارًا مركزيًّا بالتعاطي مع ما حصل بـ “صمت مطبق”. صمت يعتمده من يريد أن يُفهِم الجميع بأنّه متورط، ويعينه، في الوقت نفسه، على التملّص من المسؤوليّة. أحدث نموذج عن الخدمات التي يقدمها هذا النوع من الصمت ما كان قد حصل بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران. أمّا في لبنان، فقد اعتاد “حزب الله” على تقديم السردية التي يراها الأنسب له، من دون أن يعير أيّ اهتمام للأسئلة الحقيقية. هو يسهب في الكلام، ولكن يمتنع عن التفاعل مع الأسئلة.

المعطيات الموضوعية إذن، غير متوافرة، ولكن بعض أصحاب الخبرة يمكنهم تقديم تفسيرات منطقية. في نقاش مع هؤلاء يلفتون الإنتباه الى أنّ الحكومة الإسرائيلية باتت، بفضل “محكمة العدل الدولية” ومكتب الإدعاء العام في “المحكمة الجنائية الدولية”، تُخضع كل الخطوات العسكرية والأمنية التي تُقدم عليها لمراقبة قانونية لصيقة، ولذلك، وفي سياق عدم تبنّي أيّ عملية قد تشكل خرقًا للقوانين الدولية وتستتبع مسؤوليات جماعية وفردية، لا يمكنها الإكتفاء بالصمت، بل تجد نفسها ملزمة بعدم استثمار أيّ عمل قد يخضع للمساءلة في أيّ خطوة لاحقة متصلة. وبهذا المعنى، وفق هؤلاء المخضرمين، فإنّ إسرائيل لو شنّت الحرب التي كان يتوقعها “حزب الله” ويتمنّاها المحللون الإسرائيليّون، بعد انفجارات أجهزة “بايجر” و”توكي ووكي”، لكانت قد قدمت دليلًا على تورطها في ما يمكن أن يعتبره القانون الدولي جريمة.

ولكنّ هذا وحده لا يكفي لتفسير امتناع إسرائيل عن شنّ هجوم صاعق على “حزب الله” في أوج التضعضع والخسائر والذهول، فأصحاب الخبرة الذين جرت مناقشة معطيات هذه المقالة معهم، يعتبرون أنّ الحكومة الإسرائيلية، وفي ظل الضغط الدولي المستمر عليها للإمتناع عن شنّ حرب واسعة على لبنان، من جهة ومخاوفها الصحيحة من الحجم الضخم للخسائر المتوقعة بفعل ترسانة الصواريخ الهائلة التي يملكها حزب الله، من جهة أخرى، اختارت أن “تهضم جيّدًا” إنجازها المخابراتي غير المسبوق، لتستثمره دبلوماسيًّا ومعنويًّا وليس عسكريًّا، على اعتبار أنّها، ومنذ اغتيال القائد العسكري ل”المقاومة الإسلامية في لبنان” فؤاد شكر بيّنت أنّها لا تحتاج الى مبررات لشن ضربات نوعية ضد “حزب الله”، الأمر الذي عاد وتُرجم في الغارة القاتلة لقيادة قوة الرضوان، خلال اجتماع كانت تعقده في مقر محصن تحت الأرض، في الضاحية الجنوبية لبيروت.

كيف ذلك؟

تثق الحكومة الإسرائيلية بأنّ أيّ حرب واسعة على “حزب الله” تستدعي شنّ حرب على كل لبنان. وهذه الحرب، على خلاف ما هو حاصل في غزة، سوف تكون محكومة بفترة زمنية لا يمكن تمديدها، الأمر الذي سيلزم الجميع بقبول تسوية دبلوماسية، لن تختلف كثيرًا عمّا هو مطروح حاليًّا على مستوى تنفيذ “صارم” لمندرجات القرار 1701.

وهذا يعني أنّ “القضاء على القدرات العسكرية لحزب الله” لا يدخل في جدول أعمالها المعلن. حالها هنا ليس كحالها في غزة مع حماس. جل ما تهدف إليه، وفق نظام المجاهرة، هو دفع الحزب الى الموافقة على تسوية سريعة، تحت طائلة تدفيعه أفدح الأثمان.

منذ الثامن من تشرين الأول، تاريخ إشعال “المقاومة الإسلامية في لبنان” للجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، حتى بعد ظهر الثلاثاء الماضي، تاريخ الإنفجارات التي دوت في أجهزة “بايجر”، كانت قيادة “حزب الله” واثقة بأنّ إسرائيل لن تشن حربًا واسعة، وبالتالي كانت هذه القيادة قادرة على تقديم حزبها، على الرغم من الخسائر البشرية “المؤلمة” في صفوف جهازه العسكري، على أساس “التكافؤ” مع أقوى جيش في المنطقة. كانت المعادلة واضحة: التفوّق العسكري عند الجيش الإسرائيلي، بتوافر تكنولوجيا متطورة لديه، يقابله التفوّق المعنوي بقبول الخسائر البشرية، عند حزب الله.

حتى تاريخه، والحالة هذه، كان يمكن للإيديولوجيا أن تقارع التكنولوجيا!

وهذا “التكافؤ” لم يكن يعطي ثقة بحزب الله لدى مقاتليه وبيئته ورعاته وحلفائه فحسب، بل كان أيضًا يوفر للحزب الحجج للتملّص من الضغوط المرافقة للمساعي الدبلوماسية الهادفة الى التوصل لتسوية من شأنها احتواء التصعيد على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية.

بالنسبة لإسرائيل، ما حصل يومي الثلاثاء والأربعاء، حتى من دون أي حاجة لاستخلاص العبر الكثيرة من الغارة على قيادة قوة الرضوان في الضاحية ودقتها وخلفياتها المخابراتية الهائلة وتقنياتها المرعبة، قد يؤدي، في القريب العاجل، الى تغيير تلك المعادلة، ويعطيها تفوّقًا دبلوماسيًّا ومعنويًّا يضاف إلى التفوق العسكري المعترف به، ذلك أنّ التفجيرات التي اجتاحت أجهزة “بايجر” و”توكي ووكي” لم تذهل “حزب الله” فقط بل العالم بأسره، أيضًا. صحيح أنّ الإنسانيين يقاربونه على قاعدة أخلاقية، ولكن الصحيح أكثر أنّ أصحاب القرار يتعاطون معه على أساس أنّه تطوّر مذهل في محاربة ما يتقاطعون على وصفه بالتنظيمات “الإرهابية”، الأمر الذي يدفعهم أكثر فأكثر الى التقرب من إسرائيل وأجهزتها وخبرائها.

والأهم من ذلك، فإنّ “حزب الله” الذي تلقى هذه الضربات القاسية جدًا، لن يكون بمأمن من تخيّل ما يخبئ له المستقبل، إن طال أمد هذه الحرب. وهذا ما يسمّى في علم الأمن ب”زراعة الخيال الترهيبي” في دماغ العدو. فحصول “غير المسبوق” على مستوى آلاف أجهزة الإشعار والتواصل، قد يكون في انتظار مستويات أخرى أكثر أهمية وحساسية، في وقت لاحق. وهنا تأخذ هذه العمليتين مدى أهم من الخسائر المادية والضرر المعنوي، إذ يصبح شبح “غير المسبوق” يواكب كل ما يلمسه “حزب الله” أو يستعمله.

ويضاف إلى ذلك ما هو أثمن من أيّ شيء آخر: زعزعة الثقة ضمن الإطار القيادي في “حزب الله” نفسه، إذ إنّ ما حصل قد يكون من فعل العدو، ولكنه يحتاج بالضرورة إلى مؤازرة من داخل منظومة القرار في الحزب.

وجاءت عملية استهداف قادة قوة الرضوان لتعطي زعزعة الثقة هذه مداها الأوسع.

وفي سياق الخسائر الفادحة أيضًا يمكن إدراج نتيجة مربكة جدًا. سوف يجد الحزب نفسه مضطرًّا الى قطع كل علاقاته بالشبكات “الغالية” التي قبلت بأن تزوّده، من خلال السوق السوداء، بما يحتاج إليه من تكنولوجيا. وما يضرب “حزب الله”، لهذه الجهة بضرب في الوقت نفسه إيران وجميع تنظيمات “محور المقاومة” التي تلجأ، عادة الى السوق السوداء، للحصول على ما هو محظور عليها.

وبناء على ذلك، تفضل إسرائيل أن تعطي العمليتين الضخمتين اللتين حصلتا، يومي الثلاثاء والأربعاء، مداهما حتى ينتجا، في ضوء خفوت العواطف الجيّاشة، مفاعيلهما المادية والمعنوية والسياسية، لدى “حزب الله” أوّلًا، ولدى إيران “الخائفة عليه” ثانيًا، فرصة للخروج من معادلة تكبيد الشمال أثمان غزة والضفة.

وفي إسرائيل، يقول كبار المسؤولين: قرار الحرب اتخذ. والتنفيذ، في حال لم تثمر دقيقتا الثلاثاء والأربعاء، “لاحقين عليه”، خصوصًا وأنّ التمهيدات الميدانية واللوجستية على قدم وساق، وتداعيات غارة الضاحية أكبر دليل!

غالبية محتوى هذه المقالة نشرت في “النهار العربي” تحت عنوان: لماذا أحجمت إسرائيل عن استثمار “التّفجيرات اللاسلكيّة” بهجوم صاعق على “حزب الله”؟

المقال السابق
إسرائيل تخترق "حزب الله" حتى...النخاع!

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

نقاش بالصوت والصورة/ التقدم الإسرائيلي البري في جنوب لبنان من النكران الى الإستخفاف

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية