قالت مصادر مصرية وإقليمية لرويترز إن إسرائيل أبلغت عدة دول عربية برغبتها في إقامة منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود قطاع غزة لمنع أي هجمات مستقبلية عليها في إطار مقترحات بشأن القطاع في مرحلة ما بعد الحرب.
وذكرت ثلاثة مصادر للوكالة إقليمية أن إسرائيل أبلغت جارتيها مصر والأردن، إلى جانب الإمارات التي طبعت العلاقات معها في عام 2020، بهذه الفكرة.
وأشارت المصادر إلى أن هذه الفكرة طُرحت أيضا على السعودية التي لا تربطها علاقات مع إسرائيل وأوقفت مساعي التطبيع معها بوساطة أميركية بعد اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر.
ولم توضح المصادر كيف وصلت المعلومات إلى الرياض التي ليس لديها قنوات اتصال رسمية مباشرة مع إسرائيل. وقالت المصادر إن تركيا أُبلغت كذلك بهذه الخطط.
ولا تشير المبادرة إلى قرب نهاية الهجوم الإسرائيلي الذي استؤنف الجمعة بعد هدنة استمرت سبعة أيام لكنها تظهر أن إسرائيل تتواصل مع دول أخرى غير الوسطاء العرب المعروفين، مثل مصر أو قطر، في سعيها لتحديد الوضع في غزة في فترة ما بعد الحرب.
ولم تعبر أي دولة عربية عن استعدادها لإدارة غزة في المستقبل وندد معظمها بشدة بالهجوم الإسرائيلي الذي أودى بحياة أكثر من 15 ألفا ودمر مساحات واسعة من المناطق الحضرية في القطاع.
وتقول إسرائيل إن هجوم حماس في السابع من أكتوبر أودى بحياة 1200 شخص ب الإضافة إلى احتجاز أكثر من 200 آخرين.
وقال مسؤول أمني إقليمي كبير، وهو أحد المصادر الثلاثة التي طلبت عدم الكشف عن جنسياتها لرويترز: “إسرائيل تريد إقامة هذه المنطقة العازلة بين غزة وإسرائيل شمالا إلى الجنوب لمنع أي تسلل أو هجوم عليها من جانب حماس أو أي مسلحين آخرين”.
ولم ترد حكومات مصر والسعودية وقطر وتركيا على طلبات رويترز للتعليق حتى الآن. ولم يتسن الاتصال بمسؤولين أردنيين للتعليق.
ولم يرد مسؤول إماراتي بشكل مباشر عندما سئل عما إذا كانت أبو ظبي قد أُبلغت بشأن المنطقة العازلة، لكنه قال إن بلاده ستدعم أي ترتيبات مستقبلية لمرحلة ما بعد الحرب تتفق عليها جميع الأطراف المعنية لتحقيق الاستقرار وإقامة دولة فلسطينية.
وردا على سؤال عن فكرة إقامة منطقة عازلة، قال أوفير فولك، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، للسياسة الخارجية في تصريحات لرويترز: “الخطة تحمل تفاصيل أكثر من ذلك. إنها تقوم على عملية من ثلاثة مستويات لليوم التالي (للقضاء على) حماس”.
وفي معرض توضيحه لموقف الحكومة الإسرائيلية، قال إن المستويات الثلاثة تشمل تدمير حماس ونزع سلاح غزة والقضاء على التطرف في القطاع.
وأضاف “المنطقة العازلة قد تكون جزءا من عملية نزع ال سلاح”. ورفض تقديم تفاصيل عندما سئل عما إذا كانت هذه الخطط قد أثيرت مع شركاء دوليين، منهم دول عربية.
وترفض الدول العربية هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على حماس ووصفته بأنه مستحيل قائلة إن الحركة الفلسطينية أكثر من مجرد قوة مسلحة يمكن هزيمتها.
وأشارت إسرائيل في الماضي إلى أنها تدرس إقامة منطقة عازلة داخل غزة، لكن المصادر قالت إنها تعرضها الآن على الدول العربية في إطار خططها الأمنية المستقبلية لغزة. وانسحبت القوات الإسرائيلية من القطاع في عام 2005.
وقال مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته لرويترز إن إسرائيل “طرحت” فكرة المنطقة العازلة دون أن يحدد الجهة التي طرحتها عليها. لكن المسؤول أكد مجددا معارضة واشنطن لأي خطة من شأنها تقليص مساحة الأراضي الفلسطينية.
وعبرت دول عربية بينها الأردن ومصر عن مخاوفها من طرد إسرائيل للفلسطينيين من غزة في تكرار لمصادرة الأراضي من الفلسطينيين عند إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. وتنفي الحكومة الإسرائيلية أي هدف من هذا القبيل.
وقال مصدر أمني إسرائيلي كبير لرويترز إن فكرة المنطقة العازلة “تجري دراستها” مضيفا “ليس من الواضح في الوقت الحالي مدى عمقها (المنطقة العازلة) وما إذا كانت قد تصل إلى كيلومتر واحد أو كيلومترين أو مئات الأمتار (داخل غزة)“.
ومن شأن أي توغل في قطاع غزة، الذي يبلغ طوله نحو 40 كيلومترا ويتراوح عرضه بين خمسة كيلومترات و12 كيلومترا، أن يؤدي لمحاصرة سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في منطقة أصغر.
وتقود مصر وقطر محادثات الوساطة مع إسرائيل التي تركز على إطلاق سراح المحتجزين لدى حركة حماس مقابل إفراج إسرائيل عن الفلسطينيين المحتجزين في سجونها.
ومصر هي أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل، بينما تحافظ قطر على قنوات الاتصال مفتوحة مع إسرائيل رغم عدم وجود علاقات رسمية معها.
وقال مصدران أمنيان مصريان لرويترز إن إسرائيل طرحت خلال محادثات الوساطة مع مصر وقطر فكرة نزع الأسلحة من شمال غزة وإقامة منطقة عازلة في شمال القطاع تحت إشراف دولي.
وأفادت المصادر بأن عدة دول عربية تعارض ذلك. وأضافت أن الدول العربية قد لا تعارض إقامة حاجز أمني بين الجانبين لكن هناك خلافا حول موقعه.
وذكر المصدران المصريان أن إسرائيل قالت خلال اجتماع في القاهرة، في نوفمبر، إن قادة حماس يجب أن يحاكموا دوليا مقابل وقف كامل لإطلاق النار.
ونقل المصدران عن وسطاء قولهم إنه يجب تأجيل مناقشة هذه المسألة إلى ما بعد الحرب لتجنب عرقلة المحادثات المتعلقة بإطلاق سراح ا لمحتجزين.
ورفض مصدر في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على هذه التقارير، وأضاف “لقد حدد مجلس الحرب بقيادة نتانياهو المهام الحربية: وهي تدمير حماس وإعادة جميع المحتجزين إلى الوطن واستمرار (القتال) حتى اكتمال مهامنا”.
وقال أحد المصدرين المصريين إن إسرائيل تحولت في مناقشاتها مع مصر وقطر من التركيز على الرد على الهجوم وهو الموقف الذي كانت تتبناه في وقت سابق من الأزمة إلى إبداء استعداد أكبر “لإعادة النظر في مطالبها مع استمرار الوساطة”.
وشبهت المصادر الإقليمية فكرة المنطقة العازلة في غزة بـ “المنطقة الأمنية” التي أقامتها إسرائيل في جنوب لبنان. وأخلت إسرائيل تلك المنطقة التي كانت بعمق نحو 15 كلم، في عام 2000، بعد سنوات من القتال والهجمات التي شنها حزب الله اللبناني.
وأضافت المصادر أن خطة إسرائيل لغزة في فترة ما بعد الحرب تتضمن طرد قادة حماس، وهو إجراء يشبه الحملة الإسرائيلية في لبنان في الثمانينيات عندما طردت قيادات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تشن هجمات من لبنان على إسرائيل.
وقال أحد المسؤولين الإقليميين المطلعين على المحادثات إن إسرائيل مستعدة لدفع ثمن باهظ لطرد حماس نهائيا من غزة إلى دول أخرى في المنطقة مثلما فعلت في لبنان، لكنه أشا ر إلى أن الأمر ليس مماثلا، مضيفا أن التخلص من حماس صعب وغير مؤكد.
وأشار مسؤول إسرائيلي كبير إلى أن إسرائيل لا تعتبر حماس مثل منظمة التحرير الفلسطينية ولا تعتقد أنها ستتصرف مثلها.
وقال محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في غزة والمنتمي لحركة فتح التي طُردت من القطاع بعدما سيطرت حماس عليه، في عام 2007، إن خطة إسرائيل للمنطقة العازلة غير واقعية ولن تحمي القوات الإسرائيلية.
وأضاف أن المنطقة العازلة قد تجعل القوات الإسرائيلية هدفا أيضا في المنطقة.