بات واضحاً أن إسرائيل قد تخطت ضرب أهداف عسكرية لحزب الله ومخازن الصواريخ، التي كان بعضها ينفجر على الهواء مباشرة، إلى استهداف مؤسسات خدماتية واقتصادية في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع.
ضرب الاقتصاد والمؤسسات الخدماتية في المناطق التي هيمن عليها حزب الله لم يعد هدفاً إسرائيلياً خافياً، إذ تدرك إسرائيل جيداً أن حزب الله لم يجذب الناس إليه بالعقيدة التي يحملها وحدها، وإنما بتقديم الوظائف والخدمات والمساعدات المالية، التي شكلت طعماً للكثير من الشباب قبل أن يقتنعوا بالعقيدة الخمينية، وبإقتصاد مواز خلقه الحزب وصار يستوعب شريحة واسعة من الشعب اللبناني. وتدرك إسرائيل أيضاً أن ضرب هذا الاقتصاد يعني ضرب حزب الله ودفع الناس للانكفاء من حوله بعد الحرب، كما وفرض تحدي إعادة بناء وتشغيل هذه المؤسسات التي عمل الحزب على إنشائها طيلة أربعة عقود.
تفكّر إسرائيل اليوم استراتيجياً، وتسعى إلى توجيه ضربات ضد حزب الله تدوم تبعاتها على مدى طويل. من بين الأهداف التي دمرتها إسرائيل في الضاحية مثلاً مركز الحوراء الطبي وهو مركز يقدم خدمات طبية لقاء مبالغ رمزية، ومبنى مستودعات النور التي تبيع مواد عذائية وغيرها بأسعار مخفضة لحملة البطاقات التي يوزعها حزب الله. كما استهدفت جمعية الإمداد الخيرية الإسلامية ومبنى مركز التآخي الطبي، إضا فة طبعاً إلى مراكز القرض الحسن التي خصصت لها جولة غارات كبيرة.
خلال انتفاضة 17 تشرين، مثلاً، نجح حزب الله في امتصاص غضب شريحة واسعة من جمهوره جراء الانهيار الاقتصادي، وواجه بدء انكفاء شريحة معتبرة عنه عبر توزيع حصص غذائية وبطاقات السجاد الشهيرة التي تمكّن حاملوها من شراء سلع إيرانية بأسعار رخيصة. ما يشير إلى أهمية هذه المؤسسات في ضبط غضب الجمهور واستمرار السيطرة عليه لارتباطها بمصالحه ومعيشته. إذاً من الواضح أن لاستمرار استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، ومركز قيادته اللبنانية، أهدافاً مدنية لا تفصلها إسرائيل عن التشكيل العسكري للحزب، وترى فيها إمكانية “لإنهاء حزب الله” أو تحجيمه شعبياً بعد انتهاء الحرب.
لاستمرار استهداف الضاحية أهداف عدة، من بينها منع العودة الجزئية للسكان وشلّ الحركة الاقتصادية بالتالي تعطيل الناس عن أشغالها في ظل تآكل مدخراتها. ما قد يدفع لاحقاً لارتفاع صرخة النازحين ضد قرار الحزب الاستمرار بالحرب.
رفع كلفة إعادة الإعمار وشروطها
وكلما زاد التدمير زادت كلفة إعادة الإعمار، وبالتالي زاد تحدي إعادة الإعمار وتراجعت إمكانية حزب الله في تطبيق وعد أمينه ال عام الجديد، نعيم قاسم.
بالإضافة إلى التحدي المالي الذي تفرضه، قد تفرض إسرائيل تحد آخر يتمثل بتأمين مواد البناء والسماح بدخولها إلى لبنان في حال أقرت تسوية تتيح لها التحكم بما يستورده حزب الله تحت شعار منع إدخال الأسلحة، ما يعني إمكانية أن تصبح مسألة إعادة الإعمار ورقة تفاوضية بيد إسرائيل، وأن تصبح هي المتحكم فيها مع ما يسمح لها ذلك بفرض شروط إضافية كلما ازداد التدمير.
وبعيداً عن وعود حزب الله بإعادة الإعمار غير العملية، بينما لم ترسُ بعد الحرب على كلفة نهائية، يبدو أنه لا يمكن إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل من دون تسوية وصفقة مرتبطة بها بذاتها، ومن دون شروط مرضية للأطراف التي قد تفكر بدعم لبنان مالياّ.