علي حماده
قد تبدأ معركة رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة في أي وقت. الهدف الإسرائيلي معلن. لكن حلفاء إسرائيل الغربيين لا يؤيدون اقتحام مدينة رفح حيث يحتشد اكثر من مليون ونصف المليون من النازحين، لأنّ المعركة ستكون مكلفة جدًّا على المستوى الإنساني. لكنّ الإصرار الإسرائيلي يمثل نوعًا من الضغط والتهديد بهدف انجاز صفقة سياسية تحت تهديد فوهات المدافع. فقيادة حركة “حماس” العسكرية العليا، وفي المقدمة يحيى السنوار، صارت محاصرة في انفاق بعض الاحياء التي لم يصلها الاسرائيليون في خان يونس ومدينة رفح التي يشكل فيها العدد الهائل من النازحين مصدر حماية، ومن المرجح ان يدفع ذلك الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين الى وضع فيتو امام إسرائيل لمنعها من اقتحام رفح نظرا الى ضخامة الكلفة البشرية، وللتداعيات على مصر اذا ما حصلت محاولة جدية من قبل مئات آلاف النازحين لاقتحام الشريط الشائك الذي يفصل رفح عن سيناء المصرية.
اذًا نحن امام حالة استثنائية هي قضية مدينة رفح ومصيرها. اما مخيمات محافظة الوسط فستتواصل فيها الحرب بوتيرة منخفضة وبعيدا نوعا ما عن أضواء الاعلام العالمي الى ان يتغير الواقع فيها. طبعا هذا لا يعني ابدا ان إسرائيل ستتمكن من تحرير رهائنها او أقلّه القسم الأكبر منهم. فمع مرور الوقت سترتفع الفاتورة مع تكشف المزيد من جثث الرهائن بين انقاض المباني وفي الانفاق. انما نحن نعرف ان هدف تحرير الرهائن ليس الأول على اللائحة الإسرائيلية. الهدف الأول، هو تقويض سلطة “حماس” في غزة، إمّا بإلحاق هزيمة عسكرية بها تكون ساحقة، او بمحاصرتها والضغط على العامل الإنساني للنازحين بما يؤدي الى صفقة ل لإخراجها.
وكما انّ إسرائيل تواجه ضغوطا خارجية كبيرة بسبب الوضع الإنساني المخيف في غزة بسبب العملية العسكرية، فإن حركة “حماس” بدأت تواجه استحقاقا مماثلا من بيئتها الحاضنة التي وصلت الى حدود قدرتها على التحمل. ولا داعي هنا لشرح الوضع في ظل تقديم الأرقام المخيفة والمروعة. انما ما من شك في ان طاقة اهل غزة على التحمل بلغت حدودها القصوى. ولذلك نحن نلاحظ ان “حماس” والفصائل يضعون شرط تحقيق هدنة طويلة أساسا لاي صفقة مقبلة. في المقابل يحاول بنيامين نتنياهو ان يكسب مزيدا من الوقت لان الجيش الإسرائيلي، وعلى الرغم من خسائره الكبيرة نسبيا في حرب المدن والشوارع التي يخوضها ضد “حماس” والفصائل الأخرى يواصل التقدم بفعل التفوق النوعي في السلاح والكمّي في الذخائر.
وواضح ان استمرار الحرب يصب في صالح المشروع الإسرائيلي الابعد الذي يبدأ بمحاولة تحقيق انتصار، واخراج حماس من غزة، وتحويل الحياة في القطاع الى جحيم طويل الأمد قد يسهل اهداف إسرائيل التاريخية المعروفة. انما يجب التيقن من ان الهوامش الزمنية امام تل ابيب ضاقت كثيرا. واقترب موعد انهاء الحرب الواسعة، مع إمكانية مواصلة العمليات انتقائية لعدة أسابيع مقبلة.
“حرب المشاغلة”
في المقلب اللبناني ليس سرا ان حرب “المشاغلة” التي يخوضها “حزب الله” لها هدف سياسي اكبر من الهدف العسكري الذي وضعه الحزب المذكور عندما قال الأمين العام للحزب ان العمليات تهدف الى مساندة “حماس ” والفصائل وتخفيف الضغط عن القطاع. هذا الهدف لم يتحقق يوما. انما الهدف السياسي الذي يعمل له “حزب الله” مركز على تعزيز قبضته على لبنان. عبر استكمال سيطرته على الحياة السياسية والأمنية في لبنان. والواقع ان المستوى السياسي الرسمي في لبنان اسهم من خلال سياسات انتهازية صغيرة وقصيرة النظر في تعبيد طريق “حزب الله” نحو الإمساك بمفاصل الدولة والقرار السيادي.
وقد تحولت الجولة الى رديف يعمل لخدمة سياسات الحزب المذكور بخياراته ووظيفته الإقليمية. هذا دون ان ننسى التحول الديموغرافي والعقاري المنهجي الذي يدفع “حزب الله” باتجاهه لتحقق غلبة حاسمة لبيئته المذهبية على بقية البيئات اللبنانية.
وحرب “المشاغلة” أداة مهمة من أدوات احكام السيطرة وتغيير طبيعة لبنان على المدى الطويل.