دخلت إسرائيل على خط “يوم التشييع” وأفسدت على “حزب الله”، استعراض القوة وهدف إثبات جدوى “مقاومته”.
لم تترك إسرائيل الإجراءات الضخمة التي جهدت اللجنة التنظيمية في العمل عليها، تمر على خير، فأرسلت الطائرات التي شاركت في اغتيال “سيّد التشييع” حسن نصرالله الى المدينة الرياضية، حيث حلقت على علو منخفض، موصلة رسالة:” أنتم تُدفنون ونحن نحلّق”.
ودخل وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على خط رسالة هذه الطائرات قائلا لحزب الله: أنتم تجيدون التشييع ونحن نجيد الإنتصارات!
ولم تكتف إسرائيل بذلك، بل شنّت، في يوم التشيع، جولة من الغارات هي الأعنف والأطول والأكبر، منذ دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيّز ا لتنفيذ.
ولم تكد مراسم التشييع تنتهي، حتى ذكر الجيش الإسرائيلي بغارات السابع والعشرين من أيلول على مقر نصر الله في حارة حريك حيث أطلق سرب الطائرات قذائف فاقت قوتها الثمانمائة كيلو غرام من المتفجرات، تمكنت من الوصول الى عميق أربعين مترا تحت الأرض وقضت على حياة الأمين العام التاريخي لحزب الله!
أمام هذه المشهدية الإسرائيلية، تمّ احتواء القوة التي أراد “حزب الله” أن يرسلها الى الداخل والخارج. لقد أُريد إظهار الحزب بأنه حالة صوتية أكثر منه حالة فعلية. حزب يشيّع أهم قائدين فيه، رافعًا لواء التحديات وشعارات المواجهة، في وقت، يفقد فيه كل قدرة على وضع حد لحرية حركة العدو الذي يقول إنه انتصر عليه!
ومشكلة الحزب امام هذه المشهدية الإسرائيلية أنّه، حتى لو هدد، فهو لا يجد من يصدقه، إذ إنّه عجز، في هذا اليوم التاريخي عن توفير الحماية لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم حتى يشارك شخصيا في التشييع ويعطي مصداقية لكلامه حيث أعلن أن “المقاومة سوف تستمر، حتى لو متنا جميعنا”.
التشييع كان بمشاركته الشعبية تليق بشخصية تاريخية مثل نصرالله، ولكنّه بحيثياته هو إهانة له، تفوق أبعادها اغتياله الجسدي، فالحزب الذي أحرز كأس التحرير في العام 2000 ولم ينازع كثيرون في أنه انتصر بتفويت حقيقي لأهداف إسرائيل في العام 2006، يجد نفسه اليوم غير قادر حتى على التهديد اللفظي، لخلق معادلة ردع، ولو وهمية، معترفًا بأنّ إسرائيل التي طالما اعتبرها “اوهن من بيت العنكبوت” متفوقة نوعيا عليه، في المجال العسكري، كما أنّ هذا الحزب الذي دخل الى “حرب المساندة” مهددًا باجتياح الجليل متطلعا الى تحرير القدس، لم يعد قادرًا على مساندة نفسه!
إنّ هذا التشييع يليق ب”حزب الله” المستقبل أكثر مما يليق بحزب الله كما عرفناه قبل السابع والعشرين من أيلول الماضي. حزب يكون جزءا من الدولة وتحت جناح الجيش اللبناني ويلتزم بتأكيد قاسم إن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه “ونحن منهم”. حزب يفهم أبعاد تأكيد رئيس الجمهورية العماد جوزف عون للوفد الإيراني اليوم بأنّ لبنان تعب من “حروب الآخرين” الذين كانوا في تشييع نصر الله وحصل مرشدهم الأعلى علي خامنئي على الولاء مجددا!