المقصود تغيير استراتيجي في السياسة الأمنية الإسرائيلية، وخصوصاً إزاء الدول العربية التي لم توقّع اتفاقات سلام معها، مثل سورية ولبنان
يوني بن مناحيم- مركز القدس للشؤون العامة والسياسة
هل تعيد إسرائيل رسم حدودها مع سورية ولبنان؟ في 24 شباط/فبراير، نُظّمت في سورية ولبنان تظاهرات شارك فيها مئات المتظاهرين من عدد من المناطق، بعد خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي ألقاه قبل يوم، ودعا فيه إلى نزع السلاح من المناطق الواقعة جنوبي دمشق، الأمر الذي أثار غضباً وسط سكان المنطقة. لقد أعرب المتظاهرون عن معارضتهم المسّ بالسيادة السورية، ودعوا إلى إدانة الزعيم الإسرائيلي.
جاء كلام نتنياهو هذا في حفل تخريج دورة ضباط حربيين، وبعد وقت قصير على انتهاء مراسم تشييع حسن نصر الله ونائبه هاشم صفي الدين، اللذين اغتالتهما إسرائيل. شدد نتنياهو في خطابه على أن القوات الإسرائيلية ستبقى في المواق ع الاستراتيجية في لبنان وسورية، وأشار إلى “أننا نطالب بنزعٍ كاملٍ للسلاح من جنوب سورية، وبعدم وجود قوات من النظام الجديد هناك، ولن نتساهل مع أيّ تهديد يُوجّه إلى الطائفة الدرزية في جنوب سورية”.
وأضاف نتنياهو: “ستبقى قوات الجيش الإسرائيلي في سورية، وفي جبل الشيخ، وفي المنطقة العازلة، من دون حدود، من أجل الدفاع عن مستوطناتنا والتصدي لأيّ تهديد. لن نسمح لقوات “هيئة تحرير الشام”، أو الجيش السوري الجديد، بالدخول إلى المنطقة الواقعة جنوبي دمشق”. أمّا بشأن لبنان، فشدّد نتنياهو على أن إسرائيل ستواصل الاحتفاظ بمواقع مُشرفة على طول الحدود الشمالية، إلى أن يتمكن الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية من الوفاء بالتزاماتهما، وفق ما نصّت عليه الاتفاقات الدولية.
وأشارت مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى إلى أن الحرب التي فرضها “محور الشر”، بقيادة إيران، على إسرائيل، غيرت وجه الشرق الأوسط. ووفقاً لكلامهم، استخلصت إسرائيل، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، الدروس من هجوم “حماس” على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، وهي تعيد رسم حدودها في سورية ولبنان بما يتلاءم مع حاجاتها الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، هي تعزز علاقاتها بحلفائها الدروز في جنوب سورية.
وأضافت المصادر أن إسرائيل لا تنوي العودة إلى الواقع الأمني الذي كان سائداً قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأن إمكان تغيير الحدود مع قطاع غزة ما زال مطروحاً. وذلك انطلاقاً من ضرورة التوصل إلى ترتيبات أمنية تمنع هجوماً آخر من قطاع غزة في المستقبل.
لم يرد العالم العربي على تصريحات نتنياهو، وحتى الرئيس السوري الجديد أبو محمد الجولاني، امتنع من الرد بصورة علنية. وتُشدد مصادر سياسية إسرائيلية على أن المقصود تغيير استراتيجي في السياسة الأمنية الإسرائيلية، وخصوصاً إزاء الدول العربية التي لم توقّع اتفاقات سلام معها، مثل سورية ولبنان. وتستعد إسرائيل لمنع أيّ خطر يهدد مصالحها الأمنية، بعد تغيّر النظام في سورية، وبعد تدخُّل تركيا في المنطقة، والتي تنوي السيطرة على سورية، بحسب هذه المصادر، على غرار السيطرة الإيرانية خلال حقبة بشار الأسد.
وبحسب التقديرات، لن تكون سورية في عهد ما بعد الأسد تحت سيطرة دولة عظمى واحدة، بل ستصبح ساحة صراع للقوى الإقليمية والدولية. ومن المتوقع أن تكون تركيا لاعباً مركزياً في سورية، لكن نفوذها سيكون ملجوماً بسبب توازُن القوى في مواجهة روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل مستقبل سورية رهناً باتفاقات إقليمية ودولية. لقد حددت إسرائيل فعلاً خطوطها الحمراء في سورية من أجل المحافظة على مصالحها الأمنية.
وتشير مصادر أمنية إسرائيلية إلى أن كلام نتنياهو بشأن منع دخول الجيش السوري الجديد إلى جنوب دمشق يدل على الشكوك الإسرائيلية في أن القوة التي ستتمركز، ستعتمد، في الأساس، على “إرهابيين” جهاديين من تنظيم “هيئة تحرير الشام”. وكان هذا التنظيم، برئاسة أبو محمد الجولاني، أعلن نفسه الحاكم الجديد في سورية من دون عملية انتخابات ديمقراطية. وإسرائيل لا تثق بالجولاني، وترى فيه شخصية تحاول الترويج أنها معتدلة، بينما لا يزال الجولاني يتمسك بأيديولوجيا جهادية، ويعتمد على مساعدة تركيا من أجل ترسيخ حُكمه.
رداً على هذه المخاوف، تعمل إسرائيل على تعزيز حلفائها الدروز في جنوب سورية، والذين يبلغ عددهم 800 ألف شخص، ويعيشون ضمن جيب، هو جبل الدروز في منطقة السويداء. ويحتفظ الدروز بقوة عسكرية، وترى فيهم إسرائيل شركاء استراتيجيين. ويشكل تعزيز الحلف مع الدروز في سورية ركيزة مهمة في تعزيز روابط الدم مع الطائفة الدرزية في إسرائيل، ويُعتبر مصلحة أمنية عليا.