كتب تامير هيمان
التوتر المتصاعد على الحدود الشمالية خلال الأشهر الماضية هو نتاج تطورات تجري في الوقت نفسه، بعضها مرتبط بإسرائيل وبعضها الآخر غير مرتبط بها. وعلى الرغم من أن إيران تدعم وتسلح وتمول حزب الله، وستكون سعيدة بكل عملية تجري ضد إسرائيليين، فإنها ليست هي سبب هذا التوتر. لا مصلحة لإيران في “حرق” هذا المشروع الذي تبنيه على مدار سنوات من أجل حدث تكتيكي محلي، أو أزمة لبنانية داخلية. إيران تحافظ على حزب الله بسبب موضوع استراتيجي أكبر بكثير - حزب الله هو بوليصة تأمين للنظام في حال هاجمته إسرائيل، أو الولايات المتحدة. لذلك، سيكون إشعال هذا الفتيل قبل الأوان خطأً إيرانياً استراتيجياً.
يحتاج حزب الله إلى إسرائيل كعدو يبرر وجوده. وفي حال لم تكن إسرائيل عدواً، ولم تهدد لبنان، فعليه أن يخلق الحدث الذي يدفع إلى هذا التوتر
إيران موجودة اليوم في وضع جيد استراتيجياً: حزب الله يعاظم قدراته العسكرية، وعلى الرغم من الأثمان الثقيلة التي تدفعها في المعركة بين الحروب، فإنها لا تزال تتمركز في سورية، وتلعب دوراً مركزياً في العراق، وتستكمل خطوة انتصار في اليمن. الأخبار الجيدة بالنسبة إليها هي أنها تملك، عملياً، ردعاً نووياً من دون قنبلة نووية. بما معناه أنها تمنع عملية ضدها من دول الغرب التي تعلم بالخروق البارزة للاتفاق النووي، ولا تقوم بأي شيء، وفي الوقت نفسه، تتمتع بالحصانة التي تمنحها القنبلة من دون وجود القنبلة، ومن دون دفع الثمن الناتج من ذلك.
لذلك، فإن احتمال حرب يبادر إليها حزب الله، بدعم من إيران، ضد إسرائيل- ضئيل جداً. المخاطر الموجودة في مجالات أُخرى - مجال سوء التقدير لحدث تكتيكي يؤدي إلى ردود وردود على الردود، يمكن أن يصعد إلى حرب لا يريدها أيٌّ من الأطراف. إيران معنية جداً بعمليات ضد إسرائيليين، فهي تدفع بالفصائل الفلسطينية في الضفة إلى العمل من خلال التزويد بالسلاح الذي يتم تهريبه عبر الحدود. وتقوم بضخ الأموال لجهات “إرهابية”، وكانت ستشعر بالسعادة إذا شارك حزب الله في تأجيج الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، كالعملية التي جرت في “مجيدو”. وعلى الرغم من هذا كله، فإنها ليست سبب الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وهي ليست مشكلتنا في الضفة الغربية. وأيضاً مبادرة حزب الله إلى حرب الآن يمكن أن تؤدي إلى تحول استراتيجي، ولماذا يجب تغيير وضع الاتجاهات الآن في الوقت الذي تشهد تحسناً؟ بالنسبة إلى إيران، الوقت يعمل لمصلحتها. وفي الثقافة الاستراتيجية الإيرانية، دائماً هناك المزيد من الوقت.
إذاً، وبعد أن أخرجنا إيران كعامل مؤثر مباشر في التوتر الحالي، فما هي الأسباب الجديدة للتوتر المتصاعد في الشمال خلال الأسابيع الأخيرة؟
وجود قوة الرضوان على الجدار ومبادرات محلية، كالخيمة في “مزارع شبعا”. قوة الرضوان أنهت القتال في سورية، وعادت إلى لبنان. وتم نشرها على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية، وعلى عكس القوات الأُخرى في حزب الله التي تتشكل بالأساس من أبناء القرى اللبنانية، الذين يشكلون نوعاً من أنواع الدفاع المناطقي المحلي - فإن قوة الرضوان هي قوة مهنية وخاصة. هؤلاء الجنود مهنيون، ويصيبهم الملل، وهم على بُعد خطوة عن العدو. لذلك، هم يبادرون، ويعملون، ويستفزون. وليس كل شيء تحت السيطرة. هذا أمر خطِر وقابل للاشتعال. هكذا تحدث الأخطاء، كالخيمة التي نُصبت داخل “الأراضي الإسرائيلية”. هذه الأخطاء تستوجب الرد الإسرائيلي، ومن هناك، الطريق إلى التصعيد قصيرة.
تجديد ولاية اليونيفيل التي ستنتهي في الأيام القريبة. حزب الله (وأيضاً لبنان) يطالبان بتقليص حرية حركة قوات اليونيفيل بشكل يلغي الفاعلية القليلة التي كانت لديها أصلاً. الدولة اللبنانية تطالب بأن تتم الموافقة على كل جولة لليونيفيل مسبقاً. معنى ذلك أنه لم يعد هناك أي معنى لزيارات اليونيفيل. المعلومات عن الزيارات ستصل ب سرعة الضوء إلى حزب الله، وهو بدوره سيخفي ما يريد إخفاءه. واليوم أصلاً وضع الاتفاق 1701 سيئ. وبحسب الاتفاق، ممنوع تواجُد حزب الله في جنوبي نهر الليطاني، وعلى قوة اليونيفيل أن تراقب ذلك. الواقع مختلف كلياً، وبعد أن كان حزب الله يخفي هذا الوجود سابقاً، ففي الآونة الأخيرة، يبدو أن حتى هذا قد تغيّر.
الأقوال غير الضرورية عن إمكانية اغتيال صالح العاروري (الأقوال غير ضرورية، العمل يمكن أن يكون مهماً)، والذي يجد ملجأ على أرض لبنان، دفعت بنصر الله إلى الرد، والالتزام بأن عملية كهذه ستؤدي إلى رد من طرف حزب الله. الصمت جميل في القضايا العملياتية الحساسة كهذه. نصرالله، فنان بالأقوال، أخذ التهديدات التي خرجت من إسرائيل بسرور، والآن، وضع، عملياً، معادلة جديدة يلتزم بها – يا للخسارة.
هذه الأسباب تنضم إلى عدة مؤشرات على المستوى الاستراتيجي، ترافقنا منذ مدة طويلة، ويمكن أن تكون جزءاً من تفسير التوترات المتصاعدة.
إسرائيل تبادر وتعمل أكثر في إطار المعركة بين الحروب - نصر الله يحاول ردع إسرائيل عن توسيع المعركة بين الحروب ضد لبنان. من جانبه، المبادرة الإسرائيلية تستوجب الرد. منذ عشرة أعوام تقريباً وإسرائيل توسّع مبادراتها في إطار المعركة بين الحروب. وفي نظره، في حال تم توسيع المعركة إلى لبنان، فذلك سيكون تهديداً وجودياً، لذلك، هو يتجرأ ويبادر إلى ردع إسرائيل عن القيام بذلك؛ بحسب قناعاته، التنازل الأول الذي سيقوم به في هذا المجال سيجعل لبنان ساحة في المعركة بين الحروب. وهذا ما يحاول منعه، حتى من خلال المخاطرة بالحرب.
جرأة متزايدة لدى نصرالله بسبب ثقة كاذبة بالنفس مبالَغ فيها - حزب الله أنهى عملية التجهيز لخطة متعددة السنوات. على الصعيد الكمّي، فهو اليوم أقوى مما كان عليه في حرب لبنان الثانية. ولأن نصر الله لا يعرف قدرات الجيش، يخطئ باعتقاده أن وضعه الأمني جيد، ويسمح له بالسير على الحافة. بما معناه، حتى لو لم يكن معنياً بالحرب، فلا مشكلة في الانجرار إليها من أجل الالتزام بالمبدأ الذي ذكرته في البند السابق.
هناك تحديات داخلية تواجه نصرالله بسبب الوضع اللبناني الداخلي الصعب - مواطنو لبنان من غير الشيعة يتساءلون وبصوت عالٍ، لماذا يملك الشيعة تنظيماً عسكرياً يسيطر على الدولة؟ نذكّر بأن حزب الله هو تنظيم نشأ بهدف إخراج إسرائيل من لبنان. ولأن إسرائيل ليست هناك اليوم، فإن مبرر وجود التنظيم غير واضح للبنانيين. لذلك، يحتاج حزب الله إلى إسرائيل كعدو يبرر وجوده. وفي حال لم تكن إسرائيل عدواً، ولم تهدد لبنان، فعليه أن يخلق الحدث الذي يدفع إلى هذا التوتر. إذاً، لا يجب أن نتفاجأ من أسباب التوتر على الحدود الشمالية التي سترافقنا في الأعوام المقبلة. هذه الأسباب ستستمر في تبرير وجوده ووجود سلاح المقاومة.
إسرائيل ليست عشية حرب تستهدفها، وإيران ليست السبب المركزي لكل مشاكل إسرائيل، علماً أنها تساهم فيها جميعاً. إسرائيل هي القوة الأكبر في المنطقة، وفي يدها القوة للتأثير بشكل فعال في صيغة البيئة المحيطة بها. حزب الله هو التهديد الأكبر لإسرائيل، لكنه ليس تهديداً وجودياً. وعلى افتراض أن قانون التجنيد لن يمر بصيغته الحالية، وأن “جيش الشعب” لن يتفكك، فإن الجيش يعرف كيف يتعامل بنجاح كبير مع حزب الله، حتى في سيناريو مواجهة شاملة.
لدينا ثلاث مشاكل أساسية أمنية: قابلية الاشتعال في الساحة الفلسطينية، والمشروع النووي الإيراني، والخطر على “جيش الشعب”. الأخيرة يمكن حلها بسرعة بقرار حكومي إسرائيلي، وهو ما سيؤثر في المشكلتين السابقتين. يجب إعادة الاستقرار والثقة بـ”جيش الشعب”. لا يجب تشريع قانون التجنيد بصيغته الحالية (ممنوع إعفاء فئات واسعة من الخدمة كلياً)، ويجب وقف هجوم نواب الجمهور ضد قيادات الجيش. لذلك، من الأفضل وقف تسريع الأزمة المتوقعة مستقبلاً في العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، بذلك يمكن أن نربح بضعة أعوام.