"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

فرزند شيركو / الموقف الأميركي من تهريب الدولار في العراق

الرصد
الأربعاء، 8 مارس 2023

بحسب أحد التقارير، ذهب حوالي 80 في المائة من الدولارات العراقية المباعة في مزادات الدولار إلى وجهات دولية، هي إيران وتركيا وسورية ولبنان والإمارات العربية المتحدة، ولكن غالبًا من خلال “التداول في السوق الرمادية، باستخدام فواتير مزورة للأغراض باهظة الثمن”. وفي محاولة لمواجهة غسل الأموال على الصعيد الدولي عبر العراق، بدأت الولايات المتحدة بفرض تدابير أكثر صرامة على مزادات الدولار في مجال التدقيق والمعالجة، فطلبت من البنك المركزي العراقي استخدام نظام إلكتروني لعمليات تحويل الأموال.

في ظل تكثيف الرقابة الإلكترونية، يتم الآن رفض نحو 80 في المائة من التحويلات المصرفية اليومية في العراق بسبب عدم كفاية المعلومات أو النشاط المشبوه. وكانت النتيجة تضاؤل الدولارات المتاحة في جميع أنحاء البلاد إلى حدٍ كبيرٍ – وهو واقع لم يؤدّ إلى التضخم والاضطرابات فحسب، بل زاد أيضًا التداول في السوق السوداء وتهريب الدولارات عبر الحدود العراقية. ظهرت بالفعل تقارير تفيد بأن عمليات تهريب الدولار في إقليم كردستان شمال العراق ازدادت بشكل ملحوظ لتصل قيمتها إلى 70 مليون دولار في اليوم على الأقل، فيما تُنقل معظم الأموال إلى تركيا ودبي. ومع أن الولايات المتحدة كانت تقصد تحديدًا منع وصول الدولارات الأميركية إلى إيران، ازداد أيضًا تهريب الدولار عبر الحدود الجنوبية للعراق. وقد جمعت وزارة الخزانة الأميركية أدلة تشير إلى أن الدولارات تُهرَّب مباشرةً من العراق إلى إيران، وهو ما يسمح للنظام الإيراني بالتحايل والالتفاف على العقوبات الأميركية والدولية. وكشفت تقارير أخرى أن المعابر الحدودية في محافظتَي ديالى والبصرة المتاخمتين لإيران، إلى جانب مطارَي البصرة وبغداد، هي مراكز لشبكات تهريب الدولار غير المشروعة هذه، وتربط الدولارات الأميركية المتواجدة في العراق بإيران ووجهات عالمية أخرى.

الاضطرابات العامة في ظل تدخل روسيا والصين

داخل العراق، يُلقي المواطنون اللوم على تغيير السياسة الأميركية الذي أدى إلى حدوث أزمة اقتصادية تزداد حدتها، إذ أصبحت الدولارات أكثر ندرة وارتفعت الأسعار بشكل كبير. ومع أن سعر الصرف الرسمي للدينار العراقي ما يزال يبلغ 1.460 دينار مقابل الدولار الواحد، تراجعت القيمة السوقية بنحو 20 في المائة لتبلغ حوالي 1.750 دينار مقابل الدولار. من جهتها، حاولت الحكومة العراقية السيطرة على الأزمة، كما تراجع السعر الرسمي للدولار الواحد منذ ذلك الحين من 1.460 دينار إلى 1.320 دينار. ومع ذلك، ما يزال السوق غير مستقر، ويتم تداول الدولار بشكل غير رسمي بمعدلات أعلى.

ردًا على انخفاض قيمة العملة، خرج العراقيون بشكل متزايد إلى الشوارع للاحتجاج. ووعدت الحكومة العراقية بدورها بقمع عمليات تهريب الأموال، بينما أرسلت في الوقت نفسه وفدًا إلى الولايات المتحدة من أجل مناقشة الوضع الاقتصادي الحالي. ووفقًا لأحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية العراقية، “يقع التعاون الاقتصادي والمالي والمرتبط بالمصارف على رأس جدول الأعمال”. ويتخوف “الإطار التنسيقي”، وهو تحالفٌ موالٍ لإيران تتألف منه الحكومة العراقية، من قيام الولايات المتحدة باستخدام سلاح الدولار ضده من أجل الإطاحة بحكومته.

ومع ذلك، يبدو أن رئيس الوزراء العراقي يتبنى وجهة نظر مختلفة تجاه الإطار التنسيقي، ويرى أن الضغط الأميركي على النظام المصرفي بمثابة فرصة وليس تهديدًا. وفي حديثه الأخير، رحب محمد شياع السوداني بالجهود المبذولة لتطهير النظام المصرفي العراقي، قائلا: “بتقديري هي بوابة الإصلاح الاقتصادي والمالي والمصرفي في العراق”. هذا هو الانفتاح الاستراتيجي الذي يمكن للولايات المتحدة أن تستثمر فيه سياسياً. كما صرّح السوداني بأن إصلاحات النظام المصرفي في العراق لا علاقة لها بالحكومة الحالية، وأن رئيس الوزراء السابق أهمل مكافحة غسل الأموال في العراق. ويزعم تقرير محطة “إيران إنترناشيونال” أن السفارة الإيرانية في العراق، تحت إشراف “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني” وبمساعدة عدد من العراقيين في بغداد، عملت على جمع الدنانير وأخذها إلى إيران، ثم إعادتها إلى العراق وتحويلها إلى الدولار. وربما تكون العلاقة القوية نسبيًا التي تَمتّعَ بها رئيس الوزراء السابق مع حكومة الولايات المتحدة قد حدّت من ممارسة الضغوط العامة على هذه الجبهة في السنوات السابقة، في حين أن المخاوف بشأن الحكومة الحالية سرّعت على الأرجح عملية الضغط هذه.

بينما كانت إيران خاضعة للحظر الأميركي، طلبت حكومة الولايات المتحدة من رئيس الوزراء العراقي السابق عدم سداد القرض الإيراني. لكن رئيس الوزراء السابق دفعَ ديون إيران بالدينار وتجاهل الإنذار النهائي الذي وجّهته حكومة الولايات المتحدة. وزعمَ الأكاديمي والسياسي العراقي ليث شُبَر أن إيران أصبحت تملك الآن 50 تريليون دينار عراقي، وهي تحوّل هذه الأموال يوميًا إلى دولارات في السوق العراقية. وقال السوداني في مقابلته أن البنك المركزي العراقي، خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق، كان يُصدر مبلغًا يوميًا قدره 300 مليون دولار. وفي سبيل المقارنة، تُصدر حكومة السوداني الحالية مبلغًا يتراوح بين 50 و100 مليون دولار فحسب، ولم تَحدُث أي مشاكل، بحسب رئيس الوزراء الحالي.

وسط الفوضى الاقتصادية، قام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بزيارة استغرقت يومين إلى بغداد في 5 شباط (فبراير)، منتهزًا الفرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا والعراق. وأشار لافروف إلى أنه “في ظل الظروف الراهنة الناشئة عن القيود غير القانونية التي فرضها الأميركيون ، من المهم جدًا حماية العلاقات الاقتصادية القانونية من الضغوط غير الشرعية التي يمارسها الغرب”.

في 6 شباط (فبراير)، وفي إطار انعقاد مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية العراقي، اقترح لافروف في بغداد ما يلي: “في ظل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة، من المهم جدًا بالنسبة لنا أن نحمي أنفسنا من هذه التأثيرات السلبية الأميركية، وأن ندافع عن علاقاتنا التجارية الثنائية باستخدام عملتَينا المحليتين”. ويتوافق هذا التصريح مع جهود سابقة بذلتها روسيا والصين من أجل استبدال الدولار الأميركي بعملتيهما المحليتين في التجارة الخارجية. وخلال زيارة لافروف، أشار محلل روسي إلى أن موسكو قد تثير هذه المسألة مجددًا، فتحثّ بغداد على “استخدام اليوان الصيني بدلًا من الدولار”. وفقًا للناشط السياسي مازن الزيدي، الذي تربطه علاقات وثيقة بـ”الإطار التنسيقي”، كانت استضافة السوداني للافروف قبل أيامٍ من الموعد المقرر لذهاب الوفد العراقي إلى واشنطن بمثابة “رسالة واضحة تشير إلى وجود عدة بدائل متاحة أمام حكومة السوداني، إذا استمرت واشنطن في استخدام سلاح الدولار” ضد “الإطار التنسيقي”.

بعد أقل من أسبوع من زيارة لافروف، وصل وفد رفيع المستوى برئاسة زوو روي، مساعد وزير الإدارة الدولية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى العراق، بهدف تسليط الضوء على الجهود الأخرى المبذولة للاستفادة من هذه اللحظة. والعلاقات الاقتصادية الصينية العراقية آخذة في الازدياد. ووفقًا للإحصاءات الصادرة عن السفارة الصينية في العراق، “بلغ حجم التجارة بين الصين والعراق 53.37 مليار دولار أميركي في العام 2022، بزيادة قدرها 43.1 في المائة سنويًا”. وفي السياق نفسه، اجتمع الوفد الصيني مع الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية الرئيسية في بغداد وأربيل. وكان أهم اجتماع لهم في 11 شباط (فبراير) مع هادي العامري، زعيم تحالف “الفتح”، حيث أعرب العامري عن دعمه لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وقال نيابة عن الشعب العراقي أن “الشعب العراقي مهتم بهذا المشروع الحيوي”.

كذلك، أثارت الضغوط المتزايدة على البنك المركزي العراقي قلق إيران. وما يزال من غير المعروف إلى أي مدى سيتأثر “الإطار التنسيقي” باقتراح لافروف، ووعود الصين وضغط طهران من أجل مواجهة سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في مكافحة تهريب الدولار. إلا أن السياسة الأميركية تجاه الحكومة العراقية يجب أن تميز بين ممارسة الضغط على “الإطار التنسيقي” وفتح ذراعيها لرئيس الوزراء.

يجذب احتمال توثيق العلاقات الاقتصادية مع روسيا والصين بشكل خاص أعضاء “الإطار التنسيقي” في العراق، ومن بينهم عدة أعضاء في حكومة السوداني ممّن يخشون أن الولايات المتحدة تستخدم “أسلحة الدولار” من أجل إضعاف الحكومة العراقية الحالية. ومع أن المسؤولين الأميركيين نفوا التدخل في السياسة النقدية العراقية، ما يزال الكثيرون يلحظون عدم الرضى في سياسات الولايات المتحدة التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال والتهريب في العراق.

التوازن الأميركي في العراق

إذا انحاز العراق بشكل أكبر إلى روسيا، سيصبح جزءًا من شراكة استراتيجية متنامية بين روسيا وإيران -وهي شراكة توطدت في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن المثير للاهتمام أن إضافة العراق إلى هذا المزيج قد تشكل أيضًا أحد التكتيكات التي تعتمدها روسيا وإيران من أجل جذب الصين إلى جانبهما، بما أن الصين لها مصالح اقتصادية متعددة في العراق ومع العلم أن بكين بارعة في استغلال الفجوات الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية.

إذن، ليس من الصعب أن يفهم المرء لماذا يجب أن تتوخى الولايات المتحدة الحذر في الضغط على العراق في هذا الوقت وفي ظل هذه الظروف الدولية. وتزداد أهمية التمييز بين الحكومة العراقية والكتلة السياسية التي تتألف منها (أي “الإطار التنسيقي”) عند تَعامُل الولايات المتحدة مع بغداد. وعلى الرغم من أن الكثيرين حاولوا تحليل الاتجاهات الدولية التي يتبعها السوداني وموقفه تجاه الولايات المتحدة وإيران، ما يزال التخلي عن فكرة كونه شريكًا لأحدهما سابقًا لأوانه. في الواقع، ومع أن الكثيرين يشيرون إلى أن تعيين صحفي من ميليشيا متحالفة مع إيران كرئيس اتصالات في مكتب رئيس الوزراء يشكل دليلًا على تفضيل السوداني لإيران، تتجاهل هذه التقارير حقيقة أن السوداني كلّف أشخاصًا مقربين من الولايات المتحدة بتولي مناصب أهم، مثل وزيرَي الخارجية والدفاع.

ما يزال الوقت متاحًا أمام الحكومة الأميركية لإعادة بناء تحالف استراتيجي مفيد مع العراق، ويمكن أن يشكل التوتر الاقتصادي الحالي في الواقع فرصةً للقيام بذلك. ومع أن وزارة الخزانة الأميركية يجب أن تتابع معالجة غسل الدولارات الأميركية، ما يزال بإمكان البيت الأبيض احتضان رئيس الوزراء العراقي. وإذا تمكنت واشنطن من كسب ثقة رئيس الوزراء، تستطيع استخدام سياسة “العصا والجزرة” من أجل تذليل العقبات التي أنشأتها كتلة “الإطار التنسيقي”، وتعزيز جهود السوداني لمكافحة الفساد، ما يمنع العراق من تبديل اتجاه شراكاته السياسية بشكلٍ لا رجوع فيه.

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

المقال السابق
موجة غضب في السعودية بعد "انشقاق العنزي" و"خروج المبيض"

الرصد

مقالات ذات صلة

"المرأة الغامضة" وراء الشركة المرخصة لأجهزة "البيجر" المتفجرة

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية