“الرد” على اغتيال فؤاد شكر، القائد العسكري ل”المقاومة الإسلامية في لبنان”، لم ينل من أيّ “هدف نوعي” طالما استعمله “حزب الله” مبررًا لتأخير “الإنتقام”.
وإذا أردنا اختصار المشهد الذي ارتسم منذ الرابعة والنصف من فجر الأحد تبدو الأمور على الشكل الآتي: علمت إسرائيل بأنّ “حزب الله” أكمل استعداداته لشن هجوم واسع عليها، فأمرت جيشها ببدء قصف “وقائي” للقضاء على مئات الأهداف المحددة، في وقت سابق. فعلت ذلك، بعدما أطلقت تحذيرات الى الجنوبيين بالإبتعاد عن أي شيء له ارتباط بحزب الله. الهجوم الإسرائيلي هذا، لم ينجح في منع “حزب الله” من إطلاق أكثر من 300 صاروخ ومسيّرة على 11 موقعًا في شمال إسرائيل، سقط بعضها، عشوائيًّا، على أهداف مدنية، مثل الطرق، والمنازل، ومزارع الدجاج. من الواضح أنّ الهجوم الإسرائيلي أسقط ضحايا في جنوب لبنان، وفق التقارير الواردة من أكثر من بلدة بينها الخيام مثلًا، ولكن ليس من الواضح بعد مستوى الخسائر التي ألحقتها استهدافات “حزب الله”. وبعد الصليات المتتابعة التي أطلقها “حزب الله” أعلن انتهاء المرحلة الأولى من الرد، فيما واصلت إسرائيل قصفها، كالمعتاد” لأهداف في الجنوب.
وهذا يعني شيئًا واحدًا أنّ “حزب الله” انتظر 25 يومًا، من دون أن ينجح في الوصول الى هدف نوعي. الصليات الصاروخية التي أطلقها على مدى ساعة أو أقل، لم يكن فيها أي شيء نوعي، فهو جاء بمثابة اختصار لما كان قد اعتاد أن يفعله، في بعض الأحيان، على مدار 24 ساعة. لم يتمكن من مفاجأة إسرائيل. كانت تنتظره وقد تكون سبقته. عجز عن الوصول الى هدف بحجم التهديد. يمكنه أن يتفاخر عسكريًّا بأنّه تمكن من إرسال مسيّرات وصواريخ، ولكن هذا افتخار “كلاسيكي”، فهو طالما فعل ذلك، والجيش الإسرائيلي لم ينكر يومًا عجزه عن إمكان التصدي لهذا “الإرسال”.
وفي واقع الحال، لم يكن رد “حزب الله” على اغتيال “السيّد محسن” متناسقًا. الاغتيال كان فجائيًّا، وأصاب هدفًا نوعيًّا، وموجعًا، وحصل بطريقة ألحقت أضرارًا معنويّة كبرى بالحزب. أمّا رد “حزب الله، فلم يكن متوقعًا فحسب، بل جاء أيضًا بكلفة عالية جدًا على الجنوبيين عمومًا وعلى “حزب الله” خصوصًا، إذ استبقته إسرائيل بغارات غير مسبوقة بكثافتها وعنفها وواكبته بها وتابعتها بعد انتهائه.
في ضوء هذه المحصلة، لم يكن “حزب الله” بحاجة الى انتظار 25 يومًا، فقد خلالها 38 مقاتلًا، بعضهم بالكاد بلغ الثامنة عشرة من عمره، وأفقد، في أثنائها، اللبنانيين إمكان الإستفادة اقتصاديًّا وماليًّا واجتماعيًّا، من ذروة موسم الإصطياف.
لا يمكن للحزب التحجج بأنّ الإنتظار كان جزءًا من الرد. هذا تبرير واه. إسرائيل، من الأساس، مستنفرة على الجبهة اللبنانية. وهي لم تقدم على إخلاءات سكانية جديدة، في وقت كان هناك نزيف ديموغرافي هائل من الجنوب والضاحية الجنوبية. وهي لم تخسر، بسبب هذا الإنتظار موسم الإصطياف، فهي خسرته في الشمال بسبب الجبهة المفتوحة مع لبنان وفي الجنوب بسبب الحرب المستمرة على غزة.
الماكينة الدعائية النشطة جدًا ل”حزب الله” بدأت مبكرًا في إعطاء ما حصل طابعًا استثنائيًّا. وهي تستفيد من التقييم النقدي الإسرائيلي لأي حدث، من أجل انتقاء عبارات تناسب “التسويق”، ولكنّها، أمام نتائج الهجوم، من جهة وخسائر الإنتظار، من جهة أخرى لن تُفلح إلّا في إقناع من كانوا في الأساس مقتنعين بعظمة الحزب وقوته الساحقة والماحقة!
في الواقع، لو استعرنا أدبيات الفن لتوصيف ما حصل لقلنا إنّه انتقام من أجل الإنتقام، على وزن فن من أجل الفن، ولكن بما أننا في عالم الحرب والإستراتيجيات فالأكيد أنّ ما حصل هو بكل المعايير انتقام مَنَحَ المستهدَف به أرجحيّة وزهوًا، لأنّه انتقام بلا…وزن!