“لسانك حصانك إن صنته صانك”.. “الكلمة اللي منيحة بتحنّن والوحيشة بتجنّن”… وغيرها من الأمثلة والأقوال المأثورة لم تأتي من عدم، لا بل كل يوم تثبت دقتها وحكمتها. علماء النفس والسلوك البشري انكبوا على دارسة تأثير الكلمات على الحياة المشتركة بين البشر، وقد توصلوا الى استنتاجات مهمة، منها، على سبيل المثال لا الحصر، تأثيرات سلبية لست جمل على الحياة بين الشركاء العاطفيين. ما هي هذه العبارات “السامة”؟
١- “لو كنت تحبني حقًا”
يعتبر الخبراء أن الرسالة الخفيّة وراء هذه العبارة، هي أن تصرّفات الشريك ليست على قدر المرتجى، وأن تلفّظ أحد الشريكين بهذه العبارة يعني أنه يطلب منه تغيير سلوكه حتى يحصل بالمقابل على حبّه وتقديره.
ويعتبر عالم النفس والمعالج النفسي باتريك إستراد أن هذه العبارة تعكس تلاعبًا وابتزازًا عاطفيًا من خلال جعل الشريك يشعر بالذنب، ويوضح قائلًا: “الهدف من هذه الإشارة هو إجبار الطرف الآخر بطريقة سلبية عدوانية على الانصهار في الدور أو الشخصية التي رسمناها له، وغالبًا ما تكشف هذه العبارة عن نقص عاطفي قديم لا يزال يسبب الألم”.
وينصح إستراد بالتوقف فورًا عن التلفّظ بهذه العبارة لأن عندما تُقال لا يكون أمام الطرف الآخر أي خيار سوى الامتثال لمتطلّبات شريكه، وإلا فإنه سيزيد من حدة الصراع من خلال تعزيز دور الضحية والجلاد الذي وقع فيه، وقد يؤدي إلى تحولّه بالفعل إلى خاضع ومُحبط ” أو إلى شريك جلاد، مما يجعله عرضة للانتقام بأسلوب سلبي عدواني أو حتى إنهاء العلاقة بالكامل.
٢-”أنت لا تستمع إليّ أبدًا”
ويقصد الشخص عندما يقول هذه العبارة بأن شريكه لا يهتم لأمره ولا لما يقوله أو ما يشعر به.
ويعتبر الخبراء أنّ هذا اللوم يشبه اللوم الذي يوجهّه الأبناء إلى والديهم، مما يعكس عدم وجود أي توازن في العلاقة العاطفية بين الشركين، إذ أنّ الشخص الذي يوجه هذا الاتهام يبحث عن الانتباه والتقدير لنفسه.
وتوضّح المعالجة النفسية آن-ماري بونوا، “أن استخدام كلمات مثل “دائمًا أو أبدًا ” هي بمثابة قاتل للحوار، لأنها تدفع الطرف الآخر إما إلى إنهاء النقاش بسرعة أو إلى البحث عن أمثلة مضادة لإثبات خطأ الاتهام”، وتقول بونوا “إن هذا قد يؤدي إلى حوار مزدوج يبقى فيه كل طرف متمسكًا بموقفه، مما يمنع تفهّم سلوك الآخر.
٣- “لقد قلت لك ذلك!”
على الرغم من بساطتها، إلا أنّ هذه العبارة تحمل عدوانية كبيرة، فكأنك تقول للشريك تستحق ما ألمّ بك.. فقد حذرتك مرارًا ولم تستمع إليّ.. لذا عليك أن تدفع الثمن غاليًا، كما أنها تحمل رسالة صارمة للشريك بألا يعتمد مرة أخرى عليه لمساعدته.
وتقول المعالجة النفسية سيلفي تيننبوم، “إنها تعكس شعورًا بالانتقام والرضا عن النفس، فالشريك الذي ينطق بها يبدو مهتمًا أكثر بإثبات أنه كان على حق بدلًا من تقديم المساعدة، كما يمكن فهمها على أنها تعبير عن حب مشروط: أساعدك أو أحبك فقط إذا أطعتني”.
وتقول تيننبوم “إن هذه الرؤية السلطوية للعلاقة تفتقر إلى التعاطف والكرم والتضامن، فإرجاع النقد إلى الآخر هو أسلوب نموذجي للعدوانية السلبية، لأنها تجعل الطرف الآخر أمام خيارين إما الخضوع أو العزلة.
“أنت شديد(ة) التطلب”٤-
بمجرّد قول هذه العبارة يعني أن الشخص لا ينوي تغيير سلوكه تجاه شريكه وبالتالي عليه التخفيف من مستوى طلباته.
٥-”هل نظرت إلى نفسك؟”
وكأن الشخص يقول للآخر أن ت مثير(ة) للشفقة، سخيف(ة)، مجنون(ة)، لست أنا المشكلة، بل أنت.
يعتبر الخبراء أن اللجوء إلى الاحتقار أو الإهانة يعكس رغبة واعية أو غير واعية في إسكات الطرف الآخر وإذلاله، مما يؤدي إلى تقليصه وإضعافه. هذه العبارة قد تعبر عن غياب الحب أو نهايته، أو عن نفاد الصبر تجاه سلوك لم يعد يُحتمل لدى الشريك. في جميع الحالات، يجب أخذ الإهانة بجدية وعدم التقليل من شأنها، لأنها قد تكون مقدمة للعنف الجسدي في بعض الأحيان.
تقول يزابيل برنار، عالمة النفس، إن “الإهانة سلاح مدمّر يمكنه أن يحطّم أو يُخضِع الأشخاص الذين يعانون من ضعف تقدير الذات، كما قد تؤدي إلى تصعيد العنف اللفظي والجسدي كرد فعل. في جميع الحالات، يجب أن يتبع الإهانة اعتذار صادق والتزام بعدم تكرارها، وفي حال تكرارها يجب اللجوء فورًا إلى العلاج الزوجي لمعالجة المشاكل العميقة في العلاقة.
عند تقويض مصداقية كلام الآخر ومشاعره، نفتح الأبواب على مصراعيها للصراع، للحقد، وللإحباط
٦-”أنت تصنع قصة من لا شيء”
أي أنت تكذب أو تحرّف الكلام أو تبالغ، وذلك بهدف ” الإنكار والتنصل من سلوك أثار استياء الشريك من خلال التقليل من أهمية الحدث”، بحسب إيزابيل برنار، وتضيف: إن “هذه ا لتقنية لتحويل اللوم، تُستخدم من قبل أولئك الذين يجدون صعوبة في الاعتراف بتبعات أفعالهم، إما لأنهم يشعرون بالذنب الشديد، أو لأنهم ببساطة لا يريدون التعامل مع المشكلة، أو لأنهم يمارسون التلاعب السلبي عن قصد، في جميع الحالات، الأساليب واحدة وهي إلقاء اللوم على الآخر، وعدم إعادة النظر في الذات”.
وتحذّر برنار من أن تقويض كلام الآخر ومشاعره، مع إنكار الحقائق، يؤدي إلى فتح الأبواب للصراع، والكراهية، والإحباط، والعدوانية، سواء كانت سلبية أو مباشرة.
وبالنهاية، لا بد من التأمل في هذه العبارات، وفي حال الإقتناع بضررها، الإقلاع عن استخدامها ليس مع الشريك فقط بل مع الأهل والأبناء والأصدقاء أيضا.
بتصرّف عن (لو فيغارو)