قد يكون هناك من هو أذكى، وأبلغ، وأقوى، وأتقى، وأفهم، ولكن لن يكون هناك من هو مثل حسن نصرالله، في “حزب الله”. كأنّ هذا الحزب أنشئ من أجله، وهو ولد ليكون عنوانه!
عشّاق حسن نصرالله هم أنصار حزب الله. كثيرون منهم ما كان ليكونوا مع هذا الخيار لولا نصرالله. كثير من هؤلاء، يطلبون ممّن يريد أن ينتقد ويعارض ويهاجم: انتقِد الحزب ولكن حيّد السيّد!
نصرالله ترقى في نظر أنصاره – وكثيرون منهم غير حزبيين- من مقام أمين عام فقائد إلى سيّد، بكل ما تحمله هذه الكلمة من أبعاد سياسية وقتالية ودينيّة. في مرحلة ما تخطى في وجدانهم مرتبة البشر. تخيّلوه عملاقًا مقدسًا، يضع قدميه على الأرض ويريح رأسه في الجنة حيث يتشاور مع الأولياء والأ نبياء. بالنسبة لهم، كلمته هي نبوءه. أوامره هي وصية. توقعاته هي حقيقة مرجأة. وعده هو الصدق المطلق. رؤيته لا يمكن أن تخطئ. أحكامه مبرمة. إن أحبك أحبوك، إن أهانك أهانوك، وإن غضب عليك قتلوك!
كثيرون رموا أنفسهم الى الموت من أجله. الجنّة التي هم مؤكدين من وجودها تبدأ من لفتة رضى يرمقهم بها نصرالله!
لم يخترق أي قائد، منذ عشرات السنوات، القلوب كما اخترقها “السيّد”. أصبح “رضى حذائه” شعارًا!
رفع لواءه حتى هؤلاء الذين أفتى بوجوب لإبتعاد عنهم : “السافرات”، المغنيات، الراقصات، شعراء الغزل، والملحدون والعلمانيون و…!
عندما وقع الإختيار على نصرالله، بعد اغتيال الشيخ عباس الموسوي، كان مقدرًا له أن يبقى في منصبه لمدة محددة فقط، شأنه شأن من سبقوه في مركز الأمانة العامة ل”حزب الله”، ولكنّ هالة نصرالله جعلت صاحب الربط والحل، أي القائد الأعلى لحزب الله، وهو مرشد الجمهورية الإسلامية في ايران علي خامنئي، يوافق على تعديل نظام الحزب، لإبقاء نصرالله مدى الحياة. هو عرف والجميع أبلغوه: بعد نصرالله سيكون حزب الله أصغر مما أصبح عليه!
كرّس “السيّد” حياته للحزب. لم يتردد في إرسال ابنه هادي الى عملية كان مخططوها يعرفون مسبقًا أنّها استشهادية، وأنّ كل من سوف يشارك فيها يستحي ل أن يخرج منها حيًّا!
استشهاد هادي رفع والده الى المرتبة التي لم يصل أحد في حزب الله قبله إليها. نسي المتمردون “ثورة الجياع” وطموحاتها، شكاوى الفساد والزبائنية والمحسوبية، واصطفوا وراءه!
أدخل نصرالله تعديلات جوهرية على مفهوم الإنتصار، ممّا جعله حاصد الإنتصارات. وضع للإنتصار تعريفًا لا يمكن أن يخلّ يومًا. الإنتصار معه أصبح منع العدو من تحقيق أهدافه. البقاء- ولو من دون أي إنجاز- أصبح انتصارا. الصمود- ولو بخسائر فادحة- أصبح انتصارًا. المثابرة على قول “لا” أصبح انتصارًا. إحجام العدو عن فتح حرب معه أصبح انتصارًا.
تعامل السيّد مع سلاح الحزب على أساس أنّه الأمانة المقدسة. من أجله انخرط في الحياة السياسية اللبنانية. حارب اللبنانيين الآخرين من أجله. قتل من أجله.
حوّل الدولة اللبنانية الى حاضنة ل”المقاومة الإسلامية”. من أجل حرية عملها، باع واشترى. عرف أسعار كثيرين، فدفعها. ثابر على ذلك. تعملقت “المقاومة الإسلامية” وانهارت الجمهورية اللبنانية. لم يرف له جفن، فهو من أجل الأمة التي يقودها الولي الفقيه يضحي بألف جمهورية ومملكة وإمارة!
“حزب الله” بعد نصرالله، مهما اجتهد المرشد الإيراني، ومهما ابتدع “فيلق القدس”، لن يعود حزب الله، لأنه أصبح، منذ فترة طو يلة، حزب نصرالله.
من دون نصرالله حزب الله سيكون، كل لحظة، على المشرحة. ما كان يتم القبول به مع نصرالله يستحيل أن يتم القبول به مع غيره!
ما يحاول الكثيرون في إيران حاليًا القفز فوقه، وفهمه الإسرائيلي، بعد طول معاناة، هو أنّ القائد في هذا الشرق هو القضية. وقضية حزب الله اسمها ما يأمر به حسن نصر الله!
نحن كنّا ندرك ذلك. ولذلك كنّا نكتب عن نصرالله لنصرالله، علّه يلتفت، بعدما أحاطه العشاق بمنهجية “العمى عن الأخطاء”، الى أنّ نهجه في السنوات الأخيرة عمومًا وفي السنة الأخيرة خصوصًا، لن يجلب للبنان ولحزبه وله شخصيًّا، سوى الويلات والمآسي، ويحوّل سلسلة الإنتصارات الى تلال من رماد!