حتى يرفع “حزب الله” رايات النصر، تضطر الدولة اللبنانية إلى خوض المعارك الخاسرة التي تزيد من تقويض سمعة لبنان وموقعه في العالم!
آخر هذه المعارك تمثلت باستنفار الدبلوماسية اللبنانية في محاولة منها لتقييد حركة اليونيفيل، وفق ما يرغب به “حزب الله” الذي يريد أن يضمن لنفسه حرية التحرك في منطقة حرّمها عليه القرار 1701، فكانت النتيجة أنّ مجلس الأمن الدولي، بأكثرية 13 صوتًا مدعومة ضمنًا بعدم رفض الصين وروسيا اللتين تملكان حق الفيتو، أصدر القرار 2695 الذي تعاطى مع مطالب الدولة اللبنانية كما لو كانت مجرّد دفاع عن عصابة مسلّحة لا تملك أيّ حق بالوجود وأيّ مسوّغ بالتسلّح، ولا بدّ من ملاحقتها على جرائم ارتكبتها بحق قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
وبدا واضحًا أنّ القرار 2695 ، وهو يجدد رهانه على القوات المسلحة اللبنانية “التي تتمتع وحدها بالشرعية”، شكا من الإفتئات على صلاحياتها الحصرية بحمل السلاح وعلى المس بدورها السيادي وعلى إهمال مقامها وقيمتها، في وقت تعامل فيه مع “حزب الله” كما لو كان مجموعة خارجة عن الشرعية اللبنانية والدولية ويقوم بارتكابات تستدعي وضع حدّ نهائي لها هنا والملاحقة الجنائيّة هناك.
بطبيعة الحال، سوف يحول “حزب الله” دون تمكين الدول ة اللبنانية من احترام القرار الذي مدّد ولاية اليونيفيل لسنة جديدة كما يحول منذ وقف العمليات العسكرية في حرب تموز/ يوليو 2006 دون تطبيق القرار 1701 الذي يمكن أن ينهي كل تهديدات الحرب التي تسقط على لبنان أو تنطلق منه، وتبلور صورة محترمة للدولة اللبنانية في مراكز القرار الدولي وضمن الشعب اللبناني الذي أوصله يأسه من سطوة السلاح الفئوي الى حدود الحلم بالتقسيم.
المفارقة أنّ ما يجب أن تسعى إليه الدولة اللبنانية من أجل أن تستعيد أرضها ودورها وموقعها تعمل بعكسه وذلك فقط حتى تسترضي “حزب الله”، الأمر الذي يسقط احترامها في مراكز القرار الدولي كما في المنتديات الإقليمية كما في الداخل اللبناني.
إنّ قراءة متأنّية للقرار 2695 الصادر في 31 آب/ اغسطس الأخير يُظهر أنّ لبنان يدافع في وجه اليونيفيل عن سيادة أفقده إيّاها “حزب الله” باضطرارها وقواتها المسلّحة إلى غض النظر عن أعمال سبق أن تعهّدت بحظرها بموجب القرار 1701 ومنها على سبيل المثال: “حفر أنفاق تعبر الخط الأزرق وإقامة ميادين رماية، والوقوف وراء جميع الهجمات وأعمال المضايقة والترهيب وحملات التضليل ضد اليونيفيل”.
وإذا كان الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله قد حاول وضع هذه الإرتكابات بذمة هؤلاء الذين يسمّيهم “الأهالي”، فإنّ مجلس الأمن الدولي بيّن مجددًا أنّه لا يصدّق ادعاءات نصرالله، فالأهالي هم “حزب الله”، والجمعيات البيئية التي تتحرّك هي “حزب الله” والدولة اللبنانية التي تتحرّك في أروقة الأمم المتحدة هي “حزب الله”.
وبإصداره القرار 2695 أظهر مجلس الأمن الدولي أنّه لا يقيم أيّ اعتبار لتهديدات نصرالله، بل يعتبرها مجرّد إفصاح عن نيات عدوانية لا بدّ من التصدّي لها ومنعها وملاحقتها ومعاقبتها.
ولا بدّ في هذا السياق، وبالإستناد الى أوّل تعليق ترحيبي على القرار 2695 صدر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، من الملاحظة أنّ لبنان الرسمي مرتاح الى خسارته الدبلوماسيّة المدويّة، إذ إنّه من جهة “بيّض وجهه” أمام “حزب الله” الذي يتحكم بمصيره وبسلطته، ولكنّه من جهة أخرى لم يُخسر بلده ما يحتاجه من صرامة دولية تعينه، ولو بعد حين، على استعادة ذاته من تسلّط ميليشياوي خطر!
ولقد انعكست المعركة الدبلوماسية التي خاضتها الحكومة اللبنانية باسم “حزب الله” ضد حرية تحرك اليونيفيل، إيجابًا على إعادة تذكير اللبنانيين والعالم بالحقيقة اللبنانية، وهي أنّ “حزب الله” الذي يرفع، صبحًا مساء، رايات السيادة في وجه المجتمع الدولي، هو المسؤول الأوّل والأخير عن ضرب هذه السيادة والنيل من سمعة الدولة ودورها والإفتئات على المهم ات الشرعية المناطة حصرًا بالقوات اللبنانية المسلّحة.
وعليه، إنّ خسارة الحكومة اللبنانية لمعركتها الدبلوماسية التي كلّفها بها “حزب الله”، كانت انتصارًا غير مسبوق للدولة اللبنانية ولمستقبل الشعب اللبناني الذي كان قد ظنّ، وعن حق أحيانًا، أنّ العالم تخلّى عن سيادة لبنان لمصلحة فصيل مسلّح فيه يرهن مصيرهم لمصلحته الفئوية ولمحور إقليمي لا يفيد إلّا الجمهوية الإسلامية في إيران!