بين زينة عيد الميلاد، والولائم، وتقديم الهدايا، تمنحنا عطلات الشتاء العديد من الأسباب كي ننفق المال، الأمر الذي تجده العقول البشرية مُجزيًا. ورغم أنّ الشعور الأوّلي قد يكون مريحًا، إلا أن عادات الإنفاق خلال العطلات قد يكون لها بعض العواقب السلبية.
وقال الدكتور أشيش بهات، مدير المحتوى الطبي في مركز الإدمان: “يمكننا تبرير هذا الأمر في هذه المرحلة من الموسم، نظرًا لأنه عيد الشكر، وهناك عروض مقبلة وأعتقد أن الكثير من الناس يتحمّسون لها”.
وتابع: “لكن استمرار هذا الأمر قد يتسبب بمشاكل حياتية من الناحية المالية، أو في علاقاتك، ما يحاكي حالة الإدمان حقًا”.
وأوضح بهات أنّ التسوّق قد لا يكون إدمانًا قابلاً للتشخيص في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الذي يستخدمه اختصاصيو الصحة، لكنّه سلوك يمكن أن يتبع دورة إدمانية.
وبحسب بهات، ينفق الناس أحيانًا أموالاً أكثر مما ينبغي. وفي أحيان أخرى، قد ينتابهم شعورًا بالقلق بشأن كل ما عليهم شراؤه، ويشعرون بالارتياح عندما يحصلون عليها، لكن النشوة تزول ويحتاجون إلى القيام بذلك مجددًا.
وقال بهات: “هذا هو الوقت الذي ربما تنظر فيه إلى نمط من سلوك التسوق السلبي”. إذ يصعب في بعض الأحيان، حتى بعد انتهاء موسم الأعياد، كسر هذه الدورة ما أن تبدأ.
سواء أكان ذلك إدمانًا أو مجرد شعور بعدم السيطرة الكاملة على الإنفاق، فإن العطل تعد الوقت المناسب لمراجعة علاقتك بالتسوق.
لماذا تحب أدمغتنا التسوق؟
ليس مفاجئًا أن يشعرنا التسوّق بالسعادة، فهو يغذي أنظمة المكافآت بأدمغتنا.
وقالت الدكتورة آن كريستين دوهايم، أستاذة جراحة الأعصاب المتميزة لدى كلية الطب بجامعة هارفارد ومستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن:“إذا شعرنا أن أمرا ما كان ممتعًا.. فهذا مؤشر على أن نظام المكافآت لدينا قيد العمل”.
وأشار بهات إلى أن الشراء يمنح الدماغ جرعة من مادة الدوبامين الكيميائية، وغالبًا ما يُطلق على الدوبامين اسم الناقل العصبي “للشعور بالسعادة”.
علاوة على ذلك، يتقاضى العديد من الأشخاص أموالًا كثيرة لجعل التسوّق يبدو أكثر مكافأة، بحسب ما ذكرت دوهايم.
وقالت: “يعرف تجار التجزئة جيدًا كيفية جعل الأمر ممتعًا بالنسبة لك وماهية السلع التي يجدها البشر مجزية”.
وأضافت دوهايم أن ذلك قد يعني ربط مدى السعادة التي سيشعر به أصدقاؤك وعائلتك بتقديم هدايا لهم متصلة بالإعلانات التجارية، أو التركيز على المنافسة من خلال تقديم عروض لفترة محدودة.
التسوّق عبر الانترنت
وأشارت دوهايم إلى أن التضحيات اللازمة لشراء هدايا العيد والسلع تنخفض بشكل كبير عندما تلجأ إلى الإنترنت.
فعوض ركوب سيارتك، والقيادة لمسافة طويلة، والعثور على ما تبحث عنه في المتجر، والانتظار في طابور الدفع، في عصر التسوق عبر الإنترنت، يمكنك الضغط على بضعة أزرار وأنت مسترخٍ.
من جهتها، قالت ألكسندرا كرومر، المستشارة المهنية المرخّصة ومقرها في ريتشموند، فيرجينيا: “في الأساس، أي شيء يمكن أن ترغب أو تحلم أو حتى تفكر بشرائه، أصبح في متناول أيدينا”.
ومع وجود ميزات لحفظ معلومات بطاقتك الائتمانية على مواقع الإلكتروني، فقد لا يكون هناك سوى ثوانٍ فقط تفصل بين اللحظة التي تفكر فيها في سلعة تريد شراءها ودفع ثمنها بالفعل، على حد قول دوهايم.
وقالت إنه كلّما قل الوقت الذي يستغرقه الأمر وقلّت الحواجز بينك وبين عملية الشراء، قلّ الوقت المتاح للتفكير في ما إذا كنت حقًا تريد هذا الغرض أو تحتاجه.
تسوُّق أقل، فرحة أكبر بالعيد
وترى دوهايم أنه “بقدر ما نريد أن نمنح عائلاتنا أفضل العطل سنويًا، فإن المزيد من التسوق لا يقربنا دومًا من هذا الهدف”.
وقالت إن “مكافآت التسوّق قصيرة المدى للغاية. وبعد التسوق وبعد فتح جميع الهدايا، غالبًا ما يكون هناك خيبة أمل. وبعد ذلك تبدأ بالشعور بالذنب تجاه الأموال التي أسرفت في إنفاقها”.
فعلى سبيل المثال عندما تتخيل احتفال عيد الميلاد لأطفالك، قد تفكر في شراء زينة وهدايا جديدة أكبر وأفضل من العام الماضي، لكنًّ أدمغتنا مُصممة أيضًا للعثور على المكافأة بما هو مألوف لدينا، بحسب ما ذكرته دوهايم.
وتابعت: “ما يريده الأطفال أن يكون الاحتفال عينه كل عام. هناك بعض الارتباط بالماضي، والتقاليد، والمعنى الأعمق للعطلة، ومجرد التواجد معًا أمر يجده الناس مجزيًا للغاية، لا سيّما خلال أوقات التغيير السريع كما يحدث الآن في العالم”.
ويتمثل اثنان من أكبر العوامل المرتبطة بالسعادة على المدى الطويل والرضا عن الحياة في العلاقات والشعور بالهدف.
وبدلاً من البحث عن روح العطلة من خلال شراء المزيد من الأغراض، أوصت دوهايم بالتركيز على الهدايا والأنشطة التي يمكن أن تجلب المزيد من التواصل بين الناس والشعور بالهدف.
وقد يكون القيام بذلك مرتبطًا بذاكرة ذات معنى، أو القيام بنشاط معًا، أو العثور على شيء يساعد طفلك على بناء مهارة أو شغف ما.
كيفية خفض الشراء
تبدو العطلة ذات المغزى والأقل جنونًا بالتسوّق فكرة رائعة، لكن ليس من السهل دومًا تحقيقها.
ابدأ بإدراك أن الكثير من الضغوط الموسمية التي تشعر بها تأتي من الأشخاص الذين يحاولون كسب المال من طريق بيع السلع ل ك، وهي ليست إجراءات ضرورية لقضاء عطلة أفضل، بحسب دوهايم.
بعد ذلك، أوصى بهات بتحديد المحفزات لديك، وقال إن هذا قد يعني تجنّب مراكز التسوق أو المتاجر الكبيرة، أو الحد من استخدام بطاقات الائتمان، أو التحدث مع أحبائك حول الانتباه للتسوّق بشكل مدروس.
وأوضحت دوهايم أنّ أفضل طريقة لتغيير السلوك هي ألا تطلب من نفسك التوقف، بل استبدال التسوق بنشاط أفضل، مثل تبادل أغراض تملكها مع الأصدقاء، أو عمل قرعة حتى يختار كل فرد من العائلة اسما لشراء هدية رائعة لشخص واحد بدلاً من الجميع.
وإذا وجدت نفسك تعاني من عادات شراء مماثلة بعد العطلة، فقد أوصت كرومر في بداية العام بتخصيص شهر خالٍ من الإنفاق أو أخذ استراحة بسيطة من التسوق تركز فيها على توفير المال لتحقيق هدف أكبر.
مع ذلك، أشار بهات إلى أن الإدمان والسلوكيات الإدمانية مدفوعة بالعديد من العوامل، ضمنًا الوراثة، والبيئة والتجارب، لذلك من الممكن أن تؤثر الصدمة أو مشكلة أخرى تتعلق بالصحة النفسية غلى الأساليب التي تتسوق بها.
وقال: “إن العلاجات السلوكية المعرفية تعد من أفضل الطرق لمعالجة هذا الأمر فعليًا. إذ “من المهم للغاية أن يحصل الشخص الذي يعاني من ذلك على المساعدة التي يستحقها”.