سواء اعترف “حزب الله” بذلك أو كابر، فهو لم يعد يملك أوراق القوة التي كان يملكها سابقًا في كثير من الملفات الداخلية اللبنانية بما فيها الانتخابات الرئاسية، فالحرب التي حصلت، وطبيعة اتفاق وقف إطلاق النار وكذلك سقوط النظام السوري، تركت ندوبها عليه!
وثمة من يعتقد بأنّ “حزب الله” يخوض معركة الرئاسة من موقع الضعف، فهو، بعدما كان غير آبه بوجود سلطة تنفيذية مكتملة في البلاد، ويدير الفراغ من موقع “الحاكم الفعلي”، بات، بأمس الحاجة الى وجود هكذا سلطة، ويستعجل إقامتها، لأنّها، من جهة جزء من التفاهمات السرية التي أوصلت الى اتفاق وقف إطلاق النار، ولأنّها، من جهة أخرى، “حجر الزاوية” في إعادة إعمار ما هدمته الحرب.
ولكنّ، بما أنّ “حزب الله” صاحب خبرة طويلة، في صناعة “صورة القوة”، فهو يحاول أن يوحي بالعكس، من أجل تحسين شروطه، سواء في الإستحقاق الرئاسي نفسه أو الإستحقاقات التي سوف تليه، ومن بينها تشكيل حكومة جديدة.
ويدرك الجميع أنّ “حزب الله” طلب من رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية أن يخدمه في عدم إعلان انسحابه من السباق الرئاسي، حتى يكون ورقة مساومة ومقايضة بيده. فرنجية نفسه غير مقتنع بمناورة “حزب الله” هذه، فهو، في خطابه الأخير، حيث أبقى على ترشيح نفسه، تحدث، بإسهاب، عن “زمن جديد” لم تعد فيه معادلات الماضي القريب صالحة، لافتًا، في إشارة واضحة الى تحدي إعادة الإعمار، الى حاجة البلاد الى رئيس بحجم الشهيد رفيق الحريري الذي قالت المحكمة الخاصة بلبنان إنّ مجموعة أمنية تابعة ل”حزب الله” هي التي نفذت جريمة اغتياله في 14 شباط (فبراير) 2005.
والإشارة الى رفيق الحريري لها أبعادها، فهو كان يتمتع بطاقة قوية على العمل، وبرؤية ثاقبة للإعمار، وبعلاقات عربية ودولية فاعلة جدًا، الأمر الذي جرّ عليه غضب “المحور الايراني” الذي تهاوى، على امتداد السنة الأخيرة.
إذًا، وباعتراف أقرب المقربين، يلجأ “حزب الله” الى “مناورات” طواها الزمن!
سابقًا، كان تعطيل النصاب هو السلاح الأمضى بيد “حزب الله”، في محاولات فرض معادلاته على القوى المناوئة له. حاليًا، هذا السلاح لم يعد ذي جدوى، لأنّ الجميع يعرفون، وعن كثب، أنّ الساعة أصبحت تعمل ضد الحزب، فهو، في حال نجح في تكوين نسبة تعطيلية، إنّما يضع ماء في طاحونة غير المتحمسين لإنجاز الرئاسة في مرحلة ما قبل وضوح الرؤية في سوريا، وما قبل انتقال دونالد ترامب وفريقه اللبناني والشرق الأوسطي الى البيت الأبيض. وكل ذلك على حساب البيئة التي ألحق بها الحزب، بسبب استدعائه إسرائيل الى حرب تفوّقت فيها، الموت والنزوح والدمار، إذ إنّ أي دولة أو أي من الكيانات المالية، لن توفّر قرشًا واحدًا لإعادة الإعمار لخزينة لبنانية مفلسة، إذا لم تكون برعاية سلطة تنفيذية فاعلة وموثوقة وتحترم التزاماتها تجاه الداخل والإقليم والمجتمع الدولي.
“اللقاء الديموقراطي”، وبتوجيه من زعيم دروز لبنان وليد جنبلاط، يحاول أن يقدم ل”حزب الله”، ومن خلال تفاهمات عميقة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، “خدمة العصر”، بتأييد وصول قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية.
العماد عون هو من الأسماء “الجدية” الآتية من “الزمن القديم” والصالحة ل”الزمن الحديث”.
في العقل الجنبلاطي، أنّه يمكن، قبل أن يرسخ “الشرق الأوسط الجديد” معادلاته، الإستفادة من زخم العماد عون، فهو “مقبول” محليًّا وعربيا ودوليا، ولذلك، لا بدّ من أن يوافق “حزب الله” عليه، أو على الأقل، أن يسمح بتكوين أكثرية تمكنه من العبور من اليرزة الى جارتها بعبدا، في جلسة التاسع من كانون الثاني(يناير)، لأنّ عرقلة هذه الخطوة من شأنها أن تذهب بالرئاسة الى خيارات أكثر جذرية، بحيث تسقط ورقة عون لمصلحة آخرين يتقاطعون مع النهج الجذري الذي سيدخل الى البيت الأبيض في العشرين من الشهر نفسه!
وهذا يعني أنّ المكسب الوحيد ل”حزب الله” في الانتخابات الرئاسية يمكن أن يتأمّن بتأييد العماد جوزف عون، من دون قيد أو شرط، على اعتبار أنّ المناورة لتوفير مكاسب أكبر ستلحق بالحزب خسائر فادحة، في المستقبل.
وليس خفيًا على أحد أنّ قوى سياسية فاعلة في لبنان، ولها كلمة وازنة في الإستحقاق الرئاسي، تفضل إرجاء حصوله، على اعتبار أن من انتظر سنتين وشهرين، لمنع وصول “السيئ” يمكنه أن ينتظر أسبوعين لتوفير حظوظ أوفى لإيصال “الجيّد”.
قد لا تكون هذه القوى التي تفضل الإرجاء في وارد أن تتحمّل مسؤولية منع انتخاب الرئيس في جلسة التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل، ولكنّ “حزب الله” في حال أمعن في مناورته، سوف يقدم لها مبررًا!
مشكلة “حزب الله” الأساسية في الإستحقاق الرئاسي تكمن في أنّ هناك قناعة راسخة جدًا بأنّه كلّما تقدم الزمن سوف يظهر وهنه أكثر، فبيئته، يمكن أن تصبر عليه، حتى يبرد الجرح، ولكنها بعد ذلك، سوف ترفع صوتها على ركام منازلها، ولن تسمح له بأن يخنقه لا بتهويل حرب جديدة ثبت أنه ليس على قدرها، ولا بوعود الجود الآتي من الجمهورية الإسلامية في إيران التي أصبحت هي، في ظل إفلاس عملي ومعادلات إقليمية جديدة، في خطر الإلتحاق بالنظام السوري!