في صحيفة “الأخبار” الموالية له، قدّم “حزب الله” رواية تظهر دولة الإمارات العربية المتحدة كما لو كانت تستجدي إقامة علاقة معه، وأنّها وسطت من أجل حصول ذلك رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن الحزب لا يريد ذلك، بل يكتفي بحصر التواصل بالموضوع الأمني الهادف إلى “تحرير المعتقلين” فيها. وجاء في “الأخبار” لهذه الجهة الآتي:
في النصف الثاني من العام الماضي، جرى تواصل بين مسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمدير العام السابق للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، لـ «معالجة» ملف المعتقلين اللبنانيين لدى أبو ظبي. أبلغ إبراهيم قيادة حزب الله بالمبادرة الإماراتية، بعدما كان قد تمكّن، في مرحلة سابقة، من معالجة ملفّات موقوفين مشابهين في الدولة نفسها.ومنذ بداية موجة الاعتقالات للبنانيين، ينتمون بغالبيتهم اإى الطائفة الشيعية، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، وترحيلهم على عجل، كان واضحاً لدى المعنيّين في بيروت بأن أبو ظبي تهدف إلى ممارسة ضغوط على حزب الله لأسباب سياسية، خصوصاً بعدما صنّفت الحكومة الإماراتية الحزب «منظّمة إرهابية» عام 2014، وتبعها قرار مماثل لمجلس التعاون الخليجي عام 2016.
بحسب معلومات «الأخبار»، فإن «سلطات أبو ظبي طلبت بداية التواصل المباشر مع الحزب الذي فضّل الحفاظ على دور الوسيط». في مرحلة لاحقة، رفع الإماراتيون وتيرة جهودهم، وطلبوا من الرئيس السوري بشّار الأسد الذي تربطه مع القيادة الإماراتية علاقات جيدة آخذة في التطور، التوسّط لدى حزب الله. وهو ما حصل. تعامل حزب الله بإيجابية مع مبادرة «حسن النيّة» الإماراتية، وجرى ترتيب اجتماعات مباشرة بين مسؤولين من الطرفين في دمشق، برعاية سورية. وأوضحت مصادر سورية لـ«الأخبار» أن «لقاءات عدّة عُقدت بالفعل في دمشق، بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا ومستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد» ( في الصورة أعلاه)، و«جرى التأكيد من الطرفين، وكذلك من القيادة السورية، على أن هذه الاجتماعات ذات طابع أمني وليست سياسية، وهي محصورة في محاولة معالجة قضية الموقوفين التي تعتبرها أبو ظبي قضية أمنية، بينما يراها حزب الله قضيّة إنسانية، ويبدي استعداده لبذل الجهود لحلّها». علماً أن الحزب أكد دائماً أن الاتهامات الموجّهة إلى الموقوفين في ما يتعلّق بالحزب، «باطلة ولا أساس لها، ما يوجب معالجة القضية بأي طريقة لرفع الظلم عن المعتقلين وعائلاتهم».
وبعد عدة لقاءات بين الرجلين، وتطوّرات وقعت في المنطقة، أهمّها «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واشتعال جبهات أخرى تحت عنوان «المساندة»، جرى التوافق على «حلّ» قضية الموقوفين السبعة لدى الإمارات. وبالفعل، وصلت طائرة إماراتية خاصة إلى مطار بيروت مساء الإثنين الفائت، نقلت الحاج وفيق صفا ومساعده وشخصاً آخر إلى أبو ظبي لإنهاء المحادثات بهدف إطلاق المعتقلين.
وتؤكّد المصادر أن «جدول أعمال الزيارة اقتصر فقط على ملف المعتقلين وسبل معالجته لإطلاقهم وإعادتهم إلى لبنان». وأعلنت العلاقات الإعلامية في حزب الله، أمس، أن صفا زار الإمارات «في إطار المتابعة القائمة لمعالجة ملف عدد من المعتقلين اللبنانيين هناك، والتقى عدداً من المسؤولين المعنيين بهذا الملف، والأمل معقود أن يتمّ التوصّل إلى الخاتمة المطلوبة إن شاء الله».
وبحسب المعلومات التي رشحت عن الزيارة، «يتوقّع أن يجري إطلاق المعتقلين على مراحل، بعد أن تصدر سلطات أبو ظبي عفواً رئاسياً عنهم لمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر».
معلوم أن القيادة الإماراتية تسعى منذ مدّة إلى انتهاج سياسة «صفر مشاكل» مع دول وقوى الجوار والمنطقة. وهي خطت خطوات متقدّمة في هذا المسار مع إيران، بموازاة تقدّمها السريع في مسار التطبيع مع إسرائيل. كما سعت في النصف الثاني من عام 2021، إلى تليين العلاقات مع تركيا وقطر. وقبل ذلك، استعادت علاقات وطيدة مع القيادة السورية. وتهدف أبو ظبي من خلال هذه السياسة إلى محاولة ترميم صورتها التي تشوّهت إلى حدّ بعيد، بفعل تدخّلها في قضايا سياسية وأمنية وعسكرية في المنطقة، ولعب أدوار خطيرة، خصوصاً في اليمن وليبيا. علماً أنها تعرّضت خلال السنوات السابقة، خصوصاً خلال الحرب على اليمن، لتهديدات أمنية جسيمة. وتدرك أبو ظبي أن شكل الدولة الإماراتية وما بُنيت عليه، إضافة إلى قدراتها العسكرية المحدودة وموقعها الجغرافي، لا تسمح لها بخوض معارك عسكرية تكون لها آثار وتبعات مباشرة على أرض الإمارات التي جهد «عيال زايد»، سنوات طويلة، لتحويلها إلى أرض الأمن والاستقرار والرفاهية المبالغ فيها، والتي لا تحتمل معها أيّ تهديد أمني مهما كان محدوداً.
وفي وقت سابق، طلبت الإمارات وساطة شخصيات على صلة بحزب الله لوقف ما أسمته «الحملة الإعلامية التي يقودها السيد حسن نصرالله شخصياً» ضد الإمارات، علماً أن الوسيط أبلغهم بأن موقف حزب الله مرتبط حصراً بمشاركة الإمارات في الحرب على الشعب اليمني، وأن الحزب لم يطلق أصلاً حملة على أبو ظبي حتى بعد مبادرتها إلى إقامة علاقات مع دولة الاحتلال، رغم أن هذه الخطوة تجعل الحزب متردّداً كثيراً حيال بناء علاقة طبيعية مع أبو ظبي.
وبعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وانضمام ساحات أخرى إلى القتال لمساندة غزة، عبّر المسؤولون الإماراتيون في اجتماعات مع أطراف إقليمية عديدة، عن خشيتهم من تعرّض بلادهم للاستهداف، ليس من قبل «أنصار الله» وحدهم، بل أيضاً من قبل فصائل مقاومة أخرى، بسبب إيغالها في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولوجود قوات أميركية على أراضيها. وتعزّزت هذه الخشية بشكل كبير مع بدء «المقاومة العراقية» استهداف القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، إضافة إلى الخشية من أي ضربات تأتي من اليمن، علماً أن أبو ظبي رفضت الانضمام علناً إلى التحالف الذي أقامه الأميركيون تحت اسم «حارس الازدهار»، وأبلغت صنعاء من خلال سلطنة عمان بأن البحرية الأميركية لا تستخدم موانئها ولا قواعدها العسكرية منطلقاً للهجمات على اليمن.