لم يعرف الشارع اللبناني، في اليومين الأخيرين، أيّ غضب على المجزرة التي حصلت في المستشفى المعمداني في غزّة، بل جرى استغلال هذه المجزرة بهدف ترويع الفئات اللبنانيّة التي يمكن أن تكون مناهضة ل”حزب الله” وقراراته!
وقدّمت الحشود التي حرّكها “حزب الله” باسم غزّة في لبنان نموذجًا عمّا يمكن أن يُلحقه هذا الحزب الذي أسقط القرار 1701 ممهّدًا بذلك الطريق أمام حرب واسعة تندلع حين يشاء هو أو حين ترتأي إسرائيل، بالفئات المعارضة وممتلكاتها!
وليس صحيحًا أنّ عمليات التخريب التي استهدفت ممتلكات خاصة وعامة في بيروت وجبل لبنان سببها انحراف بعض الغاضبين عن جادة الصواب، لأنّ التجارب السابقة بيّنت، بما لا يقبل أدنى شك، أنّ “حزب الله” حين يشاء قادر على ضبط من يتظاهرون تحت راياته وبتحشيد منه، والعكس صحيح!
وهذا يفيد بأنّ “حزب الله” يحاول أن يضبط الشارع اللبناني على توقيته، تمامًا كما ضبط غالبيّة الشارع السياسي المقتنع بأنّه، في حال صعّد مواقفه ضد الحزب، بسبب إسقاطه للقرار 1701، سوف يتحمّل عواقب وخيمة قد تصل إلى القتل!
وسبق لشخصيات سياسيّة بارزة في لبنان أن طلبت من المحيطين بها والمقربين منها أن “يضبطوا ألسنتهم” إن كانت لديهم مواقف معادية لما يقوم به “حزب الله” الذي يمكن، في حال ذهابه الى الحرب، أن يدفّعهم غاليًا ثمن هذه المواقف.
وليس خفيًّا على أحد أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إضطر الى “تصحيح” موقف سابق له أوحى به أنّ قرار الحرب في لبنان بيد “حزب الله” وليس بيده أو بيد الحكومة، بعدما تعرّض لهجوم قوي من هذا الحزب.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ اكتوبر تاريخ إطلاق “حركة حماس” لما سمّته “طوفان الأقصى”، تعرّضت شخصيات حاولت التنديد بإمكان جرّ لبنان الى الحرب، لجملة ضغوطات وتهديدات، ممّا اضطرها إلى التراجع إما بالإصطفاف مع “حزب الله” أو بالصمت.
وفتح “حزب الله” الحدود الجنوبيّة أمام حلفائه ليس في الفصائل الفلسطينيّة فحسب، بل في الفصائل العراقيّة أيضًا. وقد تباهى بعض هؤلاء بتصوير أنفسهم في جنوب لبنان، من حيث راحوا يطلقون “عنترياتهم”!
وليس سرًّا أنّ “حزب الله” في حال توسّعت الحرب يريد فتح الحدود اللبنانيّة أمام القوى التي يتحالف معها في سوريا والعراق واليمن، وهي تشمل جنسيات عدّة، من أجل معاونته في قتال إسرائيل.
وسوف يمكّن ذلك “حزب الله” من بسط سيطرته على كل لبنان، بحيث يحوّل كل المناطق اللبنانية الى ظهير له، ويستعيض عمّا يمكن أن يخسره في الحرب بمضاعفة نفوذه، بالفرض، على امتداد الجغرافيا اللبنانيّة.
وليس من باب الصدفة أنّ “حزب الله” اختار، منذ السابع من تشرين الأوّل/ اكتوبر حتى تاريخه بلدات محدّدة في الجنوب اللبناني لإطلاق صواريخه ضد إسرائيل، في إشارة الى بلدات وقرى غالبيتها سنيّة ومسيحية.
وسبق أن شكا “تيّار المستقبل” من تعرّض منسقه محمد القاسم في واحدة من هذه البلدات( يارين) لاعتداء بأسلوب وُصف “بالبشع جدًّا”!
إنّ دماء ابناء غزّة عمومًا وشهداء المستشفى المعمداني خصوصًا غاليّة جدًّا، ويندر أن يوجد لبناني، مهما كانت قناعاته السياسية، لم يحزن على هؤلاء ويصب جام غضبه على إسرائيل، ولكنّ ما قام ويقوم به “حزب الله”، خصوصًا في اليومين الأخيرين، لا علاقة له بهؤلاء بل هو مرتبط بأجندة خطرة للغاية، إذ إنّ إيران، في هذا الزمن، لا تملك أثمن من لبنان لتهدّد به إسرائيل والدول الداعمة لها، بفتح حرب إقليميّة!
ولا يملك “حزب الله” القدرة على إقناع اللبنانيّين بإعطائه الضوء الأخضر للقيام بما عليه القيام به، لذلك، فهو يستغل هذه الأيّام العصيبة، ليفرض كلمته بقوّة الترهيب عبر “جيش الدراجات الناريّة”!
ولكنّ هذا السلوك قد لا تُحمد عقباه إن تكرّر، فالصامتون احترامًا لدماء أبرياء غزّة، قد لا يبقون كذلك طويلًا، في ظلّ شارع وصل فيه الغليان الى درجة…الإنفجار!