“لدينا قماش أبيض لتكفين أولادنا قدر ما تشاء، ولكن ليس لدينا قطعة قماش واحدة لكي نرفع الراية البيضاء”!
هذا الشعار وزعه “حزب الله” على مناصريه، قبل وقت قصير، من نسب معلومات الى موقع “أكسيوس” الأميركي تفيد بأنّ الوسيط عاموس هوكشتاين قد أرجأ زيارته المقررة الثلاثاء الى بيروت، “حتى يتلقى مزيدًا من التوضيحات”، بشأن مواقف لبنان من المقترح الأميركي الرامي الى وقف إطلاق النار وتمهيد الطريق أمام تسوية شاملة للصراع على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية.
كان واضحًا أنّ لبنان، وإن أبدى إيجابية ظاهرية، إلّا أنه يسجل ملاحظات اعتراضية على مجموعة من النقاط، وفي مقدمها بالطبع، ما يمكن اعتباره إعطاء مشروعية دولية للجي ش الإسرائيلي لشن هجومات على “حزب الله” عندما يعتقد بأنه يعيد بناء قوته الصاروخية هنا، وحضوره العسكري، هناك.
ولم يكن اللقاء الذي عقده، الإثنين رئيس مجلس النواب نبيه بري مع وزير العمل مصطفى بيرم، وهو من “حزب الله”، يعني غير رفض لبنان الضمني للمقترح الأميركي، ولكن بلغة إيجابية توحي بأن المشكلة في إسرائيل وليست في لبنان.
كان عنوان رفض الهزيمة محوريًا في كلام مصطفى بيرم، إذ قال:” نلتزم بال 1701 وله آليات لماذا نريد أن نخترع آليات أخرى تعمل إرباكات في هذا المجال. هناك نقاط معينة تخالف السيادة قد تمّ اسقاطها، وهناك نقاط لم يناقش فيها أصلا لأنه لا يمكن أن نقبلها، واحدة منها هي حرية التنقل للعدو، طبعا هذا الأمر لن نسمح له ولا يُسمح به. لا يوجد لبناني لديه روح وطنية يقبل أن يناقش بهذا الأمر ويتنازل عن السيادة، لأن هناك قاعدة تقول إنّ الإنسان عندما يعرض عليه الإستسلام لتلافي حرب لأنه خائف منها سيحصل على الإستسلام والذل والحرب”.
إذًا، من الواضح أنّ “حزب الله” يتعاطى مع المقترح الأميركي، كما لو كان أمام إشكالية تخيّره بين حدّين لا يطيقهما: الإستسلام أو الموت!
وبالفعل، فإنّ إسرائيل أرفقت تسليم السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون للمقترح الذي صيغ بشراكة أميركية- إسر ائيلية، حيث كانت هناك كلمة موحدة حياله لإدارتي جو بايدن ودونالد ترامب، بهجوم هو الأعنف من نوعه، بحيث نقلت المعركة البرية الى الخط الحدودي الثاني، وأمعنت في تدمير صور والضاحية الجنوبية لبيروت، ونفذت اغتيالات لها دوي قوي، مثل استهداف مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف الذي كان يتصرف، في الأسابيع الأخيرة، كما لو أنّه “صاحب القرار” في الحزب، ووجهت قياداتها العسكرية إهانات الى مقاتلي “المقاومة الإسلامية في لبنان” بحيث تمّ تصويرهم كما لو كانوا جبناء يهربون من أرض المعركة وضعفاء عاجزين عن التصدي.
من الواضح أنّ “حزب الله” يحاول أن يجد مخرجًا لإشكالية معقدة للغاية: كيف يمكن أن يوقف هذه الحرب غير المتكافئة التي تكاد تقضي على كل مقوّماته، من دون أن يعلن استسلامًا، من شأنه أن يقضي عليه وعلى الدور الذي وجد من أجله!
حتى تاريخه، ليس أمام “حزب الله” سوى مواصلة الصمود، ورجاؤه أن تتدخل الملائكة لتصنع معجزة تكسر الحلقة المفرغة التي أدخل نفسه فيها، يوم اعتقد بأنّ معادلات 2006 ستمكنه من العبور الظافر لتجربة العام 2023، حين قرر الدخول في حرب “طوفان الأقصى”، في تمهيد للزحف نحو…القدس!