وحدهم هؤلاء الذين يتأثرون بعبارات منتقاة من مقالات ومقابلات يجريها معارضون إسرائيليّون، يظنّون أنّ “حزب الله” لم يخسر بعد “حرب الإستنزاف” التي فتحها ضد إسرائيل في الثامن من تشرين الأول الماضي.
هؤلاء يسلطون الضوء على خسائر إسرائيل ليعتقدوا بقدرتهم على رفع علامة النصر، مستخفين، في آن، بتلك الكوارث التي لحقت بلبنان والجنوب عمومًا و”حزب الله” خصوصًا.
ولكنّ المراقبين ممّن يسلّمون بالقدرة الكبيرة ل”حزب الله” على التسبب بأذى لإسرائيل، يظنون بأنّ هذا الحزب دخل في هزيمة محققة، على كل المستويات الإستراتيجية والتكتيكية!
وفي الواقع، تهاوت الأهداف التي رفعها “حزب الله” لدخوله في حرب طوفان الأقصى، فهو، أعلن تباعًا ما عجز عن تنفيذه، تكرارًا. هدد إسرائيل بشن حرب شاملة عليها، إن هي تجرّأت واجتاحت قطاع غزة، بريًّا، ولكنّه، ما إن فعلت ذلك، حتى بقي حيث كان، معلنًا التزامه ب”الصبر الإستراتيجي”. وأعاد “حزب الله” التهديدات نفسها، إن لم توقف إسرائيل عدوانها على غزة، ولكنّ العدوان عنف أكثر وأسقط مناطق بأكملها وعشرات الآلاف من الضحايا، ولم يتحرك “حزب الله” عن “الصبر الإستراتيجي”. وقامت قيامة خالد مشعل، وهو يرى الحزب يعد بما لا يفي به، فكرس هذا الحزب موارده واستعان بإيران، ل”تخريس” الغاضبين في “حماس”. وهدد “حزب الله” بقصف تل أبيب إن مسّت إسرائيل بشعرة واحدة في الضاحية الجنوبية، ولكنّه لم يفعل شيئًا “عليه القدر والقيمة”، عندما اغتالت إسرائيل في حارة حريك، حيث العاصمة الإدارية للحزب، المسؤول في “حماس” صالح العاروري وبعده القائد العسكري ل”المقاومة الإسلامية في لبنان” فؤاد شكر. أصدر الأمين العام للحزب حسن نصرالله تكليفًا شرعيًّا ضد الهاتف الخلوي، لكن ذلك لم يحل دون مواصلة إسرائيل استهداف مقاتليه وقيادييه. نجحت إسرائيل في استهداف مخازن أسلحة الحزب في الجنوب والبقاع، مستعملة أحيانًا، قذائف خارقة للتحصينات الصخرية والخراسانية، فرد عليها بعرض فيلم عنوانه “عماد-4” لاستعراض منظومة صواريخ خاصة به. كثف هجوماته على البلدات التي لم يتم إجلاء سكانها في الشمال، في محاولة منه لدفع إسرائيل الى التوقف عن استهداف مقاتليه، فردت إسرائيل، ليس بتهديد جدي بتوسيع دائرة قصفها ل”حزب الله” أينما وجد على امتداد لبنان، فحسب بل بمضاعفة الجهود لاغتيال أكبر عدد ممكن من مقاتليه، أينما تحركوا، فكان الرد المباشر على “رسالة” قصف كتسرين الجولانية باستهداف مجموعة واسعة من مقاتلي “حزب الله”، كما حصل يوم الجمعة هذا. نظر المحللون العسكريون الى سلوك “حزب الله” بالمقارنة مع سلوك الجيش الإسرائيلي، فوجدوا الحزب تائهًا لا يملك سوى أهداف عامة، وهي معروفة من الجميع، أي القواعد العسكرية والمناطق الصناعية، في حين أنّ الجيش الإسرائيلي يملك أكبر “بنك للأهداف” ممّا يعينه يوميًّا على ضرب أكثر من هدف نوعي!
والأدهى من ذلك، أنّ إسرائيل المنقسمة على نفسها، والمختلفة حتى على أتفه التفاصيل، تجدها “شبه موحدة” ضد “حزب الله” وتصر الأكثرية فيها، عبر استطلاعات الرأي التي تجري، بوتيرة شبه أسبوعية، على وجوب أن يشن جيشهم حربًا واسعة على “حزب الله” في لبنان. واللافت أنّ المعارضة الإسرائيلية، حين تريد النيل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، ليس لديها مأخذ أهم من “الخذلان” في شن حرب ضد لبنان.
في لبنان، وبعيدًا من التنظيرات الإستراتيجية التي يمكن ترتيبها، وفق الأهواء، يشعر كثير من اللبنانيين بوهن “حزب الله”، فهو يضحي بمقاتليه وبيئته الشعبية مقابل “لا شيء” تقريبًا. لم يعد هؤلاء ينظرون الى قوته. يركزون اهتمامهم على تبعيته لإيران وما يؤديه لها من خدمات استراتيجية على حسابهم. يقارنون بين مرجلاته بالقضاء على إسرائيل التي هي “أوهن من بيت العنكبوت”، من جهة وبين براثن الوحش الإسرائيلي، من جهة أخرى. يستغربون كثرة شعاراته الإنتقامية وقلة أفعاله، في وقت، لم تأخذ إسرائيل وقتًا، لتنتقم لمجدل شمس باغتيال فؤاد شكر.
وليس بين هؤلاء اللبنانيين من يشعر بالفجيعة من إمكان استمرار “حزب الله” في مسار انحداري، لأنّهم لا يربطون بينه وبين وطنهم. بالنسبة لهم قد يكون في إضعاف “ حزب الله” مصلحة، لأنّ الأرباح سوف تحصدها الدولة اللبنانية المصادرة، فضعف “حزب الله”، بالنسبة لهم، يضعف قبضته الخانقة على عنق وطنهم.
ويبدو واضحًا أنّ حرب الإستنزاف إن طالت أكثر، فهي، بالنسبة لغالبية اللبنانيين تكبّد طرفين الخسائر: الحكومة الإسرائيلية في تقييم شعبها، و”حزب الله” في نظر اللبنانيين!