على مدى 10 أيام، يحيي المسلمون الشيعة موسم عاشوراء في مختلف دول العالم بطقوس مختلفة، حيث يتضمن إحياء ذكرى واقعة كربل اء التي استشهد فيه الإمام الحسين وسيرته، مصحوبة بمجالس الرثاء الحسيني، التي تبدّلت في اقتصارها على الجانب الديني، وانحرفت عن مسارها كمساحة للتذكير بالقيم الأخلاقية وترسيخ العدالة والمساواة كما ورفض الظلم، عبر استغلال بعض “الدعاة” المدفوعين من قبل أحزاب سياسية للترويج لخطابات طائفية قوامها شيطنة الآخر والتحريض عليه.
يشّكل “حزب الله” نموذجاً عن جماعات يستخدمها النظام الإيراني منذ نشأته في موسم عاشوراء تحديداً، بعد أن سخّره لتنفيذ أجندته مستغلاً ذكرى، كان الهدف من اقامتها على مرّ التاريخ نشر مبادئ المسامحة والتفكر والتبصر التي تعكسها مسيرة الإمام الحسين، فحولوها الى خطاب تقسيمي يبثون عبره سموم التفرقة، مدغدغين مشاعر الناس العاديين وعواطفهم الدينية التي تكون في ذروتها خلال احياء الشعائر عبر المنبر بلسان الخطباء الحسينيين للترويج لأفكارهم التحريضية ضد المختلفين ثقافياً ودينياً أو فئة حزبية أخرى، ضمن خطة يتم وضعها قبيل بدء الموسم تتناسب مع التطورات الحاصلة حينها.
في النموذج اللبناني، تمكن “حزب الله” من الاستحواذ على غالبية المجالس العاشورائية، بعد أن سحب البساط من يد “حركة أمل” التي تحاول مجاراته في المغالاة واستخدام اساليب التعظيم الخارجة عن التعاليم الدينية كما تلك ا لمتوارثة، ونجح في تحويل مسارها التوعوي الهادف بما يتناسب مع سياسته، بادخال عناصر مخالفة ومخيفة على حدّ سواء كونها تشجع على العنف وتعذيب النفس بالضرب بأدوات حادة، في محطة سنوية بات يرتكز عليها للتعبئة داخل بيئته، يقودها رجال دين يتولون تنفيذ المهمة السردية في المجالس الحسينية، بأسلوب مخالف شعائر وطقوس هذه المناسبة، تلبية لمطالب حزبية تتناسب مع غايات سياسية تعكسها خطب مصنفة خارج السياق العاشورائي.
تخترق بعض اللطميات المتوارثة قواعد المجالس العاشورائية الجديدة في القرى والبلدات حيث تم ادخال الأطفال الى قائمة شد العصب الديني القائم على العصبية، عبر اقحامهم في تجسيد السيرة وتحضير أزياء خاصة لهم وتزويدهم بشعارات وعبارات محفّزة على الثأر والانتقام، فيما وصل بالبعض الى ضرب رؤوسهم واجسادهم بالجنازير، إسوة بالكبار، لترسيخ نهج التطرف الممنهج الذي يترافق مع مظاهر في الشوارع والمناطق المحسوبة على الحزب وحليفته الحركة من الشعارات الحسينية والرايات السوداء وتوزيع الهريسة والحلويات في البلدات حيث يتم تجسيد واقعة كربلاء بعروض مسرحية أضحت أشبه بتقليد يترافق مع خطة مذهبية عنفية باتت مرآة لأجندة ايران الهادفة الى غسل العقول، وتعظيم الموت في سبيل القضية عبر الحزب باعتباره وصيّاً على شيعة لبنان حيث تم بنجاح تحريف معنى عاشوراء عن حقيقتها الإنسانية والوجدانية عبر استخدام لغة الدماء لاستمالة ضعفاء النفوس وبث السموم المذهبية في العقول والقلوب.
سعى الحزب الى احكام قبضته على الحسينيات والأوقاف والمراكز الدينية منذ نشأته، إلى جانب تخريب التجمعات الدينية المستقلة، إن كان من مجالس حسينية أو لقاءات حوزوية أو تجمعات شعبية دينية، ورفض رجال دين كثيرون، أبرزهم العلامة السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، تلك الممارسات وتسييس المناسبة، وأصروا على اعتبارها دينية جامعة، ودفعوا ثمن ابداعات “حزب الله” في القمع والترهيب والتهديد، فحوصروا ومنعوا من احياء المراسم العاشورائية تحت وطاة السلاح.
شكل القمع الفكري والديني بند أساسي في الترويج للقيم العدائية من طرف الحزب، على خلاف فضل الله الذي شدد على أنه لا يجوز تطييف عاشوراء ويجب إخراجها من دائرة الجهل إلى فضاء الأمة والفن الهادف، وكذلك شمس الدين الذي رأى أن ثورة الحسين هي ثورة إنسانية جامعة عنوانها الحق والعدل والتلاقي الإنساني الجامع، في صورتين حقيقيتين مناقضة للصورة الحالية التي يعكسها الحزب بممارساته، في عاشوراء كما في غيرها من المناسبات التي احتكرها لتنفيذ مآربه السياسية بغطاء الدين.