"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

حزب الله وحكمة...الفيروسات!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الأحد، 13 أكتوبر 2024

يقال إن الحكيم لا يُمتحن عندما يكون عليه أن يختار بين الجيد والسيّئ، إنّما حين يجد نفسه مضطرًا على أن يُفاضل بين سيّئين، فيعتمد الأقل سوءًا!

وأثبتت قيادة “حزب الله”، أقلّه، منذ بداية أيّار الماضي، تاريخ دخول الجيش الإسرائيلي الى رفح، رغمًا عن العالم أجمع، أنّها لم تكن حكيمة على الإطلاق، بتجاهلها معطيات كثيرة منها إعلان إسرائيل أنّها بدأت تبني شرعية لشن حرب واسعة على الحزب، بالتزامن مع ثبوت التفوّق المخابراتي الإسرائيلي الساحق، سواء بشريًّا أو تكنولوجيًّا، وكل ذلك في ظل عدم اكتراث بما يلحقه هذا الجيش من ويلات بالمدنيين!

عاندت قيادة “حزب الله”، سواء كان قرارها في لبنان أو في إيران، وثابرت على “استدعاء الذئب الى البيت”، حتى كان ما كان!

واليوم، تطرح معادلة “المفاضلة بين السيّئ والأسوأ” نفسها، بقوة أكبر من الأمس، لأنّ التدحرج التراجيدي أصبح أعنف من أيّ وقت مضى، فآلة القتل لا تتوقف، ومعادلات الردع انهارت وقدرات الحماية تلاشت واحتمالية الانتصار، أصبحت “مزحة سمجة” ينطق بها الأغبياء هنا نقلًا عن “المتذاكين” هناك!

أحدث الهزائم التي مُني بها “حزب الله”، لا علاقة لها بمجريات المعركة البرية التي يخوضها الجيش الإسرائيلي كما لو كان يملك كلّ الوقت لإنهاء “وليمة الموت”، ولا باستهداف مخازن المسيّرات والصواريخ، ولا بالقدرة على الوصول الى أكثر الأماكن المحصنة “تحت سابع أرض”. أحدث الهزائم هذه تتجسد في تصاعد رفض اللبنانيين لتواجد كل من له علاقة ب”حزب الله” بينهم، وفي أبنيتهم، وفي أحيائهم وفي شوارعهم وفي قراهم وبلداتهم. لقد أصبح هؤلاء، وهم يفتشون عن أماكن يمكنها أن تحميهم من مطاردة المخابرات الإسرائيلية لهم، يرمزون الى موت محتمل، وإلى دمار ممكن، وإلى كارثة مرجأة!

لم يعد يجد هؤلاء المرتبطون بـ”حزب الله” أيّ بيئة مستعدة لاحتضانهم، بعدما أصبحت بيئتهم الطبيعية مسرحًا لموت حتمي. يرفضهم الجميع. يُبعدهم الجميع. وإن قاوم هؤلاء قرار الإبعاد المجتمعي، تسببوا بفتنة، لأنّ هناك فعلًا من هو مستعد لأن يرفع السلاح بوجههم، حتى يرغمهم على الرحيل. يكفي لمن يريد أن يعرف أبعاد ذلك كله، أن يقرأ البيان الصادر، مساء السبت عن بلدية برجا الشوفية. هي ترحب بالنازحين المدنيين، ولكنها تطلب، بلا أي تحفظ، وبصورة علنية، من كل شخص مرتبط ب”حزب الله” أن يرحل بعيدًا، لأنّه “جلّاب موت ودمار وكوارث”.

لم يعد لهؤلاء مأوى آمن، لا في لبنان ولا في سوريا. وإذا ذهبوا الى مكان أبعد، انتهت المهمات الملقاة على عاتقهم، وإن ذهبوا الى البراري، كشفتهم المسيّرات!

في هذه الحرب، خسر “حزب الله” أقوى ما كان يتباهى به: الحاضنة الشعبية!

وفي هذه الحرب، خسر “حزب الله” أهمّ سلاح كان يفرض نفسه فيه على من لا يؤيّده: الهيبة!

وفي هذه الحرب، خسر “حزب الله” الحاضنة والهيبة والملجأ والشعار، يعني أنّه خسر كل شيء. نعم كل شيء!

إنّ ما يُحكى عن “رهان الميدان” لم يعد قادرًا على أن يُغيّر شيئًا، ففي أفضل الأحوال هناك قدرة على إلحاق خسائر فادحة بالعدو، ولكنّها خسائر غير مانعة لمواصلة الحرب، لأنّها لن تثير غضب الإسرائيليين ضد حكومتهم. العكس هو الصحيح، فهذه الحرب، خلافا لكل سابقاتها ليست الأكثر شعبية فحسب بل هي حرب دفعت اليها، ظاهريًا، القواعد الشعبية بفعل تعاطف وطني هائل مع “صرخات سكان الشمال”، أيضًا.

وعليه، هناك خيارات سيّئان واضحان أمام “حزب الله”: الأول، وقف الحرب والرضوخ لمقتضيات القرار 1701، أو رفض شروط التسوية والإصرار المجاني على مواصلة التخبط في بحر من الدماء!

في الواقع، كل هذا الصراخ الإنتصاري الذي نسمعه، لا يجدي نفعًا، وكل هذه التهديدات التي يتم إطلاقها ممن بقي في جوقة “حزب الله” لن تغيّر شيئًا، لأنّ من ينظر أهله اليه كما لو كان أخطر الفيروسات، يكون قد انهزم شر هزيمة. في عالم الأبحاث البيولوجية يخبرونك بأنّ أخطر الفيروسات يبذل كل جهده ليعدّل في طبيعته، حتى يتوقف عن قتل الجسم الذي يريد أن يحيا فيه، من جهة ويوقف الإنسان عن سعيه الى إيجاد الأدوية التي من شأنها قتله، من جهة أخرى!

ولعل الحكمة التي يحتاج اليها “حزب الله” تكمن تحديدًا في عالم…الفيروسات!

إقرأ/ي أيضا: حزب الله يخسر الحاضنة الشعبية اللبنانية.. كوادره غير مرغوب بهم في أيّ مكان!

المقال السابق
مواجهات قوية بين "المقاومة الإسلامية" والجيش الاسرائيلي في رامية الجنوبية
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

نعيم قاسم ومعادلة "نصف استسلام"!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية