فيما ينكب “حزب الله” الرسمي على توسل أدبيات “استدعاء التعاطف الوطني” معه، يترك لكتابه وناشطيه “الفكريّين” والدعائيين” و”التواصليين” مهمة الإنقاض على معارضيه، وصولًا الى توعدهم “بالحساب القريب”، لا بل ذهب أحد منظريهم الى حد التهديد بحرب أهلية يكونون فيها “هم الغالبون”.
“جماعة الحزب” تصوّر المعارضين، كما لو كانوا مجموعة تكوّنت حديثًا على إيقاع المقاتلات الإسرائيلية ودوي غاراتها واستهدافاتها، وذلك بهدف أن تستكمل ما يمكن أن يعجز عنه التوغل البري للجيش الإسرائيلي على امتداد الشريط الحدودي في الجنوب.
من دون التقليل من صحة الاعتقاد بأن تكون بعض الأطراف تحاول أن تستفيد فعلًا من محاولات إسرائيل إض عاف “حزب الله”، إلّا أنّ “السردية التحريضية” التي تقدمها “جماعة الحزب” مبنية كلّها على أخطاء وخطايا، ومن شأن التسليم بها أن يقود فعلًا الى تلك “الحرب الأهلية” التي يتخوّف منها كثيرون في الداخل والخارج، وتحدث عنها المسؤولون الفرنسيون ونظّر لها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب على منبر أوروبي!
في الواقع، إنّ المجموعات التي يوجه إليها المؤيدون ل”حزب الله” اتهاماتهم هذه، تنتمي غالبيتها الى فئات طالما عارضت “حزب الله”، حتى عندما كان في أوج قوته وجهوزيته وقيادته. مجموعات لم تتوقف يومًا عن المطالبة بتنفيذ القرار 1559 ونزع سلاح “حزب الله” وإقامة الدولة على أساس “وحدة الأمن والدفاع”. فئات لم تقبل يومًا بهيمنة “حزب الله” على القرار الوطني، ووقفت في وجهه، في أكثر من محطة وتصدت لمحاولات فرض معادلاته في السلطة وفي الميدان، معًا!
ومنذ الثامن من تشرين الأول 2023، لم تُخفِ هذه الفئات مواقفها المناهضة لتوريط لبنان في “طوفان الأقصى” وفي أن يكون جزءًا من “وحدة الساحات”، وكانت ترفع الصوت ضد ما يفعله “حزب الله” على اعتبار أنّه سوف يدمّر لبنان في حرب لا يملك مكوّنات استيعاب تداعياتها المالية والاقتصادية والديموغرافية. وكان “حزب الله”، طوال الوقت، يتعاطى مع هذه التحذيرات باستخفاف وصل الى حد اعتبار مطلقيها “يوهنون نفسية الأمة” و”صهاينة الداخل”. بالنسبة ل”حزب الله” كان هؤلاء يروّجون لكذبة الحرب الواسعة، فإسرائيل، وفق ما كانوا يصوّرونها بتنظيرات توجها الراحل حسن نصرالله، لا تملك القدرة والنية على شنّ حرب ضد حزب الذي يمكنه أن يدمّر “الكيان الصهيوني” و”يرميه في البحر”، وبالتالي، ف”صهاينة الداخل” يريدون، وفق الحزب، أن يحققوا لإسرائيل بالضغط الشعبي والإعلامي والبسيكولوجي ما يستحيل أن تحققه هي بواسطة العمل العسكري.
وعندما ثبت بأنّ “حزب الله” لم يكن يُدرك أين يضع قدميه، وبدأت إسرائيل حربها النوعية عليه، انسحب كثيرون من هذه الفئات المناوئة ل”حزب الله” الى دائرة الصمت لأيّام طويلة، ولكنّهم، بالمحصلة، عندما حان وقت الكلام، كرروا مواقفهم الثابتة، وبالتالي ما كان واضحًا في ما كانوا يقولونه قبل الحرب بقي كذلك بعد اندلاعها، إذ يبقى الحل، بنظرهم، هو في تخلي “حزب الله” عن أدوار تريدها الجمهورية الإسلامية في إيران ويرفضها عموم اللبنانيين، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية الذين كان المتحدثون باسم “حزب الله” يطمئنونهم بأنّ “لا حرب في الأفق”، لا بل إنّ نصرالله، طلب منهم، بعد “هجوم الأربعين” الذي شنّه “حزب الله” على إسرائيل، انتقاما لاغتيال القائد العسكري ل”المقاومة الإسلامية في لبنان” فؤاد شكر، أن يعودوا الى منازلهم التي نزحوا عنها، وقال إن البلاد “بات يمكنها أن تتنفس”. وهذا يعني أنّ “حزب الله” كان، ومن أجل أن يرفع من معنويات جماهيره، يوعدها بأنّ ” إمكان وقوع الحرب وهم”.
وعليه، كيف يمكن أن تستقيم افتراءات “جماعة الحزب” على اللبنانيين الذين يرفضون أن يكونوا وقودًا لحرب لم تكن ثمة حاجة وطنية إليها؟
المشكلة مع “حزب الله” تكمن في أنّه يحاول، في حمأة الحرب، أن يخلق مناخًا يعينه في مرحلة ما بعد الحرب أن يستنهض نفسه، بتوجيه العواطف السلبية لبيئته المدمّرة، نحو المعارضة اللبنانية، من أجل أن يُلهيها بالأحقاد عن التأمل بالدمار والغرق بالآلام وحساب الخسائر. في اعتقاده، وهذا ما أثبتته التجارب السابقة، فإنّ نقل المشكلة من مكان ضار الى مكان “حاقد”، يسمح له بالنهوض ويُبعد عنه كأس المساءلة!
بعد حرب العام 2006، وعلى الرغم من أنّ “حزب الله” خرج رافعًا علامة النصر فيما كانت إسرائيل تبدأ بمحاسبة نفسها على فشلها في تحقيق الأهداف التي أعلنتها، هرب من المساءلة الداخلية والوطنية، وانقلب على الداخل، متهمًا مجموعات سياسية لبنانية ب”الخيانة” و”التآمر”. نقل جماهيره الى وسط بيروت، وأقام لها الخيم الإعتصامية، ورفع مستوى التهديدات حتى كان تتويجها بعملية 7 أيّار 2008.