زهار فالتي- القناة 12 الإسرائيلية
11 يوماً في أيلول/سبتمبر وبضعة أيام من تشرين الأول/أكتوبر 2024، غيّرت التنظيم “الإرهابي” حزب الله، رأساً بعد الضربات الكبيرة التي تعرّض لها منذ قيامه.
لقد نشأ واقع غير مسبوق خسر فيه الحزب آلاف المقاتلين، وتضررت فيه منظوماته الاستراتيجية، ومن ضمنها آلاف الصواريخ والقذائف في بيروت وشتى أنحاء لبنان، وخسر زعيمه الكاريزماتي حسن نصر الله، وأضحى من دون سلسلة قيادته العملانية الرفيعة المستوى التي قُتلت كلها. لقد كانت هذه القيادة مركزاً للمعرفة والعمل في بناء وتفعيل قوات الحزب طوال 30 عاماً وأكثر من القتال ضد إسرائيل.
حدث كل هذا نتيجة سلسلة من الأحداث التي أثبتت لحزب الله وللآخرين حجم الاختراق العميق للحزب، الذي من الصعب جداً فهمه في الوقت الحقيقي ومعرفة كيفية مواجهته. لقد اعتُبر ما حدث ضربة قاسية لإيران التي بنت هذا التنظيم طوال عقود، بالإضافة إلى خسارة الوجه العسكري لـ”حماس” في غزة. من هنا، نحن أمام فرصة يجب عدم تضييعها.
أجيال من الباحثين في الاستخبارات في الموساد والاستخبارات العسكرية في شأن حزب الله ولبنان خلال الـ35 عاماً الأخيرة، وضباط في الموساد وعناصر في الوحدة 504، والمئات من عناصر السيجنت الذين عملوا على فهم الحزب طوال سنوات؛ مترجمون، ومبرمجون وعناصر فك الشيفرة وعناصر من السايبر قاموا بعمل مذهل، سيكون في الفترة القريبة غير ذي دلالة. كل طريقة التفكير وفهم الحزب ستتغير، ويجب أن تتأقلم معها أجهزتنا الاستخباراتية، ويتأقلم معها شركاؤنا وأصدقاؤنا في الاستخبارات في العالم. سيكون هناك تساؤلات وحاجة إلى دراسة حزب الله من جديد، أكثر مما سيكون لدينا إجابات وصورة استخباراتية واضحة.
كان حزب الله برئاسة حسن نصر الله تنظيماً موحداً، والآن، سيكون حزباً مختلفاً تحت قيادة جديدة. فالحزب بحاجة فعلياً إلى بناء نفسه من جديد. وهذا يشكل تحدياً للأجهزة الاستخباراتية لفهم ما تبقى من الحزب، وما هو سلّم الأولويات الجديد للحزب، ومَن هو الشخص، أو المجموعة التي ستدير الحزب بصورة جماعية، وما هو بروفايل الشخصيات التي ستديره، ومَن هو جيل القادة الجديد، ومَن يتخذ القرارات: هل هو شخص، أو مجموعة، أو دولة؟ هل سيظل الحزب مستقلاً كما كان حتى اليوم حيال إيران، في ظل الشخصية المميزة لنصر الله كزعيم، أم أن توجُّهه سيتغير، وسيصبح الحزب خاضعاً بصورة كاملة للوصاية الإيرانية، أو للحرس الثوري الذي يديره. إن فكرة خضوع الحزب لوصاية الحرس الثوري يجب أن تُقلق إسرائيل كثيراً، ويتعين عليها أن تفعل كل شيء لمنع حدوث ذلك والتصدي له.
من الصائب أن يواصل الجيش الإسرائيلي “تطهير” القرى في الجنوب اللبناني على طول منطقة محددة، وأن ينزع خلال وقت محدد بنى حزب الله عموماً، وقوات الرضوان خصوصاً، ويمنع إعادة تمركُزها من جديد، بالقرب من الحدود الشمالية. وذلك بهدف منح سكان الشمال الأعزاء الشعور بالأمان كي يتمكنوا من العودة إلى منازلهم.
أعدّ الجيش والموساد طوال عقدين ما نراه الآن في لبنان. وقام الجيش بواسطة أمان، وخصوصاً جهازه لمحاربة “الإرهاب” وسلاح الجو، بعمل مذهل، ويجب أن ندرك أهمية هذا النجاح، ونستخدمه كرافعة في الوقت المناسب، كما يجب ألّا نتعثر ونعلق. ومن الجيد أن نستنفد القدرة على مهاجمة أهداف حزب الله المتوفرة. في المقابل، يجب أن نعمل مع المجتمع الدولي، لكن ضمن توقعات منخفضة بسبب التجربة مع اللبنانيين. على اللبنانيين عموماً، وزعماء الطوائف خصوصاً، أن يدركوا الفرصة الذهبية المتاحة لهم من دون تخطيط. يجب أن نعرف ما إذا كانت كلمة مسؤولية موجودة في القاموس اللبناني، وهو ما سيتيح للبنانيين تحمُّل مسؤولية مستقبلهم، ففي الواقع، هذه المرة الأولى منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي التي يستطيعون فيها التحرر من خناق حزب الله.
الآن، هناك فرصة أمام كل الطوائف في لبنان، وخصوصاً الطائفة الشيعية، لرفع رأسها، والمطالبة بقيادة وطنية مختلفة، وأن يقولوا إننا مواطنون لبنانيون، سنتعاون مع المسيحيين والسّنة والدروز من أجل استقرار الدولة اللبنانية… الجيش اللبناني الذي وظّفت فيه الولايات المتحدة وفرنسا الكثير في العقود الأخيرة، وحرصتا على إعداده لمثل هذا الوضع بقيادة الجنرال جوزف عون، الذي في إمكانه تحقيق السيادة اللبنانية، واتخاذ قرار بشأن نشر الجيش على طول الحدود مع إسرائيل… وهذا يمكن أن يتحقق من خلال تطبيق القرارين 1559 و1701، أو إذا قرر لبنان أن يكون دولة ذات سيادة تتحمل مسؤولية نفسها. من المهم إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل بمساعدة دولية وداخلية لبنانية، ونزع سلاحه. والحد الأدنى هو ابتعاده إلى ما وراء نهر الأولي.
ما الذي سيساعد لبنان على تحمُّل المسؤولية؟
ليس لدى إسرائيل أيّ مطامع إقليمية في لبنان، لا بل هي مستعدة لمساعدة لبنان على بناء نفسه. وليس لدى إسرائيل أيّ شيء ضد سكان لبنان، بل على العكس. لدى إسرائيل مشكلة واحدة فقط في لبنان، هي التنظيم “الإرهابي” حزب الله، الذي أخذ دولة بأكملها رهينة بحماية إيران، ورفع شعار القضاء على إسرائيل. وهذه فرصة ذهبية لنشوء لبنان آخر.
بيْد أن المشكلة هي أن الولايات المتحدة على مسافة شهر ونصف الشهر من الانتخابات، والشعور بأن عهد الإدارة الحالية يشارف على الانتهاء، وسيسرق الوقت لكي تأتي إدارة جديدة تتأقلم مع الوضع. والأمل أنه خلال هذه الفترة الانتقالية بين الإدارتين، يمكن القيام بخطوة. فرنسا بتصريحاتها البشعة قبل يومين من 7 أكتوبر، وضعت نفسها في مكان سيئ، وتحولت من دولة كبرى تحلّ النزاعات إلى دولة ثمة شك في قدرتها على العمل لتحقيق خطة شاملة لإعادة إعمار لبنان. أيضاً العالم العربي فقد اهتمامه بالدولة اللبنانية منذ سنوات، وكان على قطيعة معها. من دون تدخُّل ومساعدة كبيرة من جانب أميركا وأوروبا ودول الخليج، لا توجد فرصة لإعادة إعمار حقيقية في لبنان، وسيبقى هذا البلد ضعيفاً، ومن دون مستقبل.
وبما أنه لا يوجد فراغ في الشرق الأوسط، يجب على إسرائيل الاستمرار في الاستثمار في استخبارات محدّثة والمحافظة على قدرات عملانية كبيرة طوال الوقت من أجل التصدي “للإرهاب”، وضد تعاظم قوة العناصر المعادية لها في لبنان.
يجب أن نتذكر ما تغيّر منذ الانتفاضة الثانية في الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية (2000-2005) حتى اليوم، فالجيش الإسرائيلي هو الذي يتحرك ويقوم بمهمة التصدي المباشر لبناء القوة والهجمات “الإرهابية” في الضفة الغربية، وخصوصاً في المنطقة أ. فيما يتعلق بلبنان، سواء وُجدت قوة فعالة، مثل الجيش اللبناني، للقيام بالمهمة أو لم توجد، من المعقول أن نأخذ في الحسبان تطبيق درس مماثل بعد 7 أكتوبر في الساحة اللبنانية، وفي غزة. وأقصد عمليات إسرائيلية عملانية في المكانَين تقوم بها أجهزتنا الأمنية.