"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

"حزب الله" خسِر وخسّرنا!

رئيس التحرير: فارس خشّان
السبت، 7 سبتمبر 2024

“المعركة هي معركة منع العدو من تحقيق أهدافه‎ ‎ ووقف العدوان على غزة. ما نقوم به على جبهتنا اللبنانية ‏سيدخله العدو في حساباته وهو يتصرّف مع غزة وخصوصًا في العمليات البرية “. (الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله في 3 تشرين الثاني 2023)

منذ السادس من أيّار الماضي، خسر “حزب الله”، بشكل حاسم ونهائي، ما سمّاه حرب المساندة، مع بدء دخول الجيش الإسرائيلي الى مدينة رفح في قطاع غزة.

منذ ذاك التاريخ، لم تعد ثمة حاجة الى تقديم الأدلة على أنّ تحويل “حزب الله” الحدود الجنوبية إلى “جبهة مساندة” لغزة، لم يقدم أو يؤخر، في أخذ إسرائيل الطريق الذي اعتبرته الأنسب لها. فلا “المشاغلة” أنتجت ولا “المساندة” نفعت!

ولا يلتفت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو يضع الشرط تلو الآخر، حتى يتمكن من مواصلة خطة الحرب على غزة، إلى الجبهة اللبنانية. عمليًّا، هو يتعاطى معها، كما لو كانت حدثًا منعزلًا عن حربه على غزة التي وسعها، منذ أسبوع، لتشمل الضفة الغربية.

وقد كان لافتًا، في هذا السياق، أنّ نتنياهو، بعدما أدرج، في مؤتمره الصحافي المخصص لوسائل الإعلام الإسرائيلية، والذي عقده هذا الأسبوع، عودة سكان الشمال الذين جرى إخلاؤهم قبل أحد عشر شهرًا من قرى وبلدات تقع على امتداد شريط بعمق خمسة كيلومترات، ضمن قائمة أهداف الحرب، عاد وسحبه في اليوم التالي، عندما عقد مؤتمرًا صحافيًّا لمراسلي الصحافة الأجنبية.

ونتنياهو في نهجه المعتمد تجاه الجبهة اللبنانية يبدو “الأرحم” بين القوى الإسرائيلية الأخرى، ففيما يصر هو على البقاء في غزة يدعوه الآخرون الى التوقف عن “التلهي” بغزة والإلتفات حصرًا الى الشمال، وشن حرب على لبنان، حتى يسلّم “حزب الله” بوجوب الانسحاب الى ما وراء الضفة الشمالية لنهر الليطاني، أي الإبتعاد ما يكفي عن الحدود الإسرائيلية، ممّا يعين سكان البلدات والمدن الإسرائيلية القريبة من لبنان الى العودة الى حياتهم الطبيعية!

وبهذا المعنى لم تعد غزة تستحق الحرب، بالنسبة لكثير من الإسرائيليين. أصبحت، بنظرهم، مجرد “جبهة إلهاء” عن الجبهة اللبنانية التي باتت تستحق التربع، في رأس قائمة الأولوية!

لكنّ نتنياهو لا يتقاسم وإياهم النظرة نفسها الى جبهة يعتقد بأنّها “خارج السياق” و”منخفضة التأثير” و”قابلة للإحتواء” ولا تستحق صفة “العاجل جدًا”!

على الجبهة الشمالية التي سقط فيها هدف “مساندة غزة” سقوطًا مدويًا، لم يخسر “حزب الله” أكثر من 430 مقاتلًا وقياديًّا بينهم قائده العسكري فؤاد شكر، فحسب، بل تسبب أيضًا بتدمير بلدات وقرى جنوبية عن بكرة أبيها وتسبب بهجرة ما يزيد عن نصف مليون نسمة- 120 ألفًا من الشريط الحدودي والباقون من سائر الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت- وألحق أضرارًا مالية واقتصادية بكل مفاصل البلاد، وأظهر انقسامًا مجتمعيًّا خطرًا للغاية ستكون له تداعيات كثيرة على مستقبل لبنان ونظامه الدستوري ووحدته وتناغم مكوّناته!

والأدهى من ذلك كلّه، أنّ “حزب الله” الذي كان، في الشهر الأوّل من دخوله الى ” طوفان الأقصى”، يهدد إسرائيل بحرب شاملة، سرعان ما وجد نفسه منضبطًا في “حرب استنزاف”، وخائفًا من أن يضطر على خوض مثل هذه الحرب الشاملة، معتبرًا كل من يعتقد بدنو أجلها “خائنًا”!

وليس سرًّا أنّ “حزب الله” يترقب، بقلق كبير، أن تنتهي هذه الحرب بسرعة، بعدما أفقد نفسه القدرة على توقيفها بقرار منه، عندما أودع مصيرها عند “حماس” في غزة التي تفضل قيادتها الموت على الإستسلام الذي ينشده نتنياهو بدعم نسبي من البيت الأبيض!

وإذا لم تكن هذه هي الهزيمة الساحقة، حيث تتراكم الخسائر ويضيع الهدف وينفلت زمام الأمور، فماذا يمكن أن تكون عليه؟!

ولكنّ اللبنانيين عمومًا والجنوبيين خصوصًا لا يشعرون بوطأة هذه الهزيمة المدوية. لا يعود السبب الى غياب المساءلة هنا وانعدام القدرة على التعبير هناك ومنع رؤية فداحة الخسائر هنالك، فحسب، بل الى حرية العمل السياسي في إسرائيل نفسها، أيضًا!

إنّ حرية العمل السياسي التي يتمتع بها الإسرائيليّون تجاه حكومتهم وجيشهم وقياداتهم، حتى وهم يخوضون واحدة من أعنف وأطول وأوسع حروبهم على الإطلاق، تسمح لهم بالتعبير عن إحباطاتهم. هؤلاء يقدمون ل”حزب الله” القدرة على تصوير نفسه منتصرًا!

ويدرج هؤلاء الإسرائيليون الذين يخوضون معاركهم السياسية والانتخابية ضد نتنياهو، عدم إقدام حكومتهم على إعطاء الأوامر بشن حرب واسعة على لبنان، في سياق هزيمة أمام “حزب الله” وتخليًّا عن شمال إسرائيل عمومًا وعن الشريط الحدودي داخل الشمال، خصوصًا.

يؤسس هؤلاء تقييم ما يحصل على البعد المناطقي، فهم، على سبيل المثال لا الحصر، اعتبروا تخصيص الجيش الإسرائيلي لمائة طائرة حربية، في “الهجوم الإستباقي” ل” عملية الأربعين” التي نفذها “حزب الله” انتقامًا لاغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، دليلًا على أنّ الحكومة الإسرائيلية لا تستنفر قدراتها إلّا عندما تشعر بأن وسط إسرائيل عمومًا وتل أبيب خصوصًا في خطر، في حين أنّها تترك الأمور على “علّاتها” عندما تكون المخاطر محصورة بالشمال.

وعلى الرغم من أنّ “حزب الله” يغرف من هذا “الجدل الإسرائيلي” ما يحتاج اليه من دعائم لدعايته السياسية، إلّا أنّه لا يلتفت الى التداعيات السلبية لهذا “النق الإسرائيلي” التصاعدي الذي من شأنه أن يؤدي الى تدحرج دراماتيكي، في حال لم يستجب الحزب المتحكم بقرار ما بقي قائمًا من هيكل الدولة اللبنانية، للمساعي الدبلوماسية الهادفة الى سحب مقاتليه وأسلحته الى ما وراء الضفة الشمالية لنهر الليطاني. تدحرج يمكن أن يقود الى حرب واسعة يبدو واضحًا أنّ الحكومة الإسرائيلية – وهنا بدعم من المعارضة- تعد العدة اللازمة لها، فيما تكون المخططات الخاصة بغزة قد اكتملت والخاصرة الرخوة في الضفة الغربية قد “اشتدت”، ومخازن ذخائر الجيش الإسرائيلي قد اكتملت، و”القبة الحديدية” قد تعززت بما يتم تجهيزه للمسيّرات الانتحارية!

ثمة من ينصح “حزب الله” بأنّ مصلحته تكمن في استعادة زمام القرار من يحيى السنوار والمسارعة الى وقف حرب الإستنزاف بعدما خسرت أهدافها وأخسرت لبنان دعائم الصمود!

نشر في “النهار العربي”

المقال السابق
حزب الله: المقاومة دخلت مسار النصر الاستراتيجي
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

"في يوم من الأيّام"!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية