“خسر حزب الله في هذه المرحلة طريق الإمداد العسكري عبر سوريا، ولكن هذه الخسارة تفصيل في العمل المقاوم يمكن أن يأتي النظام الجديد ويعود هذا الطريق بشكل طبيعي، ويمكن أن نبحث عن طرق أخرى”( نعيم قاسم، الأمين العام ل”حزب الله”. السبت 14/12/ 2024)
قدرة “حزب الله” على تسخيف ما يحصل مثيرة للإشمئزاز، فهو لا يفكر إلّا في تبرير ارتكاباته وخطاياه وانحرافاته، من أجل هدف واحد لا غير: ديمومته.
لا تعنيه الخسائر التي يتسبب بها، ولا الهزائم التي يُمنى بها، ولا الكوارث التي يتكبدها ويكبدها للآخرين. يعنيه فقط أن يبقى متربعًا على عرش من ركام وجثث وخسائر ومصائب ورماد!
كلمة الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الأخيرة، تصلح لتأكيد هذا الإنحراف الوطني والأخلاقي والديني والإنساني. انحراف ذاك الذي، مستعينًا بحفنة من المال، وبقدرة على الترهيب، وبلعب على الغرائز الطائفية، يهرب من قفص الإتهام الى منصة القاضي!
يبيع نفسه وأهله وووطنه الأوهام، متناسيًا أنّ الثمار تفض ح الشجرة، فإن جاء نتاجها فاسدًا… تُقطع!
ذهب “حزب الله” الى سوريا بآلاف المقاتلين لدعم نظام بشار الأسد، تحت جملة عناوين، سقطت كلها: العتبات المقدسة التي شاء أن يحميها، أصبحت بعهدة من حاربهم لسنوات، فإذا بهذا الملف لا يستحق الذكر أبدًا.
ذهب الى سوريا بحجة مواجهة “الإرهابيين” ليضمن عدم وصولهم الى لبنان والتنكيل بشعبه. هؤلاء الذين صنفهم الحزب بالإرهابيين وقال إنهم أنهاهم، ومنع أثرهم، وشلّ قدراتهم، انتصروا في سوريا، فإذا بنعيم قاسم يجزم بأن ذلك لن يؤثر أبدأ على لبنان.
ذهب الى سوريا، بحجة أن المؤامرة الكونية تستهدف المقاومة من خلال قطع طريق الإمداد الرئيسي لها وحرمانها من عمقها الإستراتيجي، فإذا بقاسم، وبعد سقوط النظام السوري، يعتبر ذلك مجرد تفصيل في العمل المقاوم.
لا أحد في لبنان عموما وضمن الطائفة الشيعية خصوصا يعرف العدد الدقيق للشباب الذين دفعهم “حزب الله” الى الموت والإعاقة في سوريا. البعض يتحدث عن ثلاثة آلاف شاب. والنتيجة أنّ ما مات هؤلاء وخسروا ملكاتهم الجسدية من أجله، تحوّل كله، في لحظة إما لمسألة لا تستحق الذكر أو الى مجرد تفصيل!
ولا يمكن استغراب هذا المنحى في منطق اللامبالاة الذي يعتمده “حزب الله”، فمن يدقق في تجاوزه بسهولة لنتائج الحرب التي جرها على لبنان عموما وعلى بيئته خصوصا، يدرك ذلك.
يقدم نعيم قاسم حزبه بأنه “مانع للإحتلال”، فيما يدرك اللبنانيون أنّه قبل تسببه بالحرب، كان هناك نزاع على نقاط حدودية، ولكن بعدها، أصبحت هناك مهمة تتولاها الدولة بالتعاون مع المجتمع الدولي، لتوفير انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، بالدبلوماسية.
قبل الحرب، كان المطلوب أن يسحب “حزب الله” قوة الرضوان من جنوب نهر الليطاني، فرد بتهديد إسرائيل بإخراجها من الجليل، وها هو الآن، وتحت رايات الإنتصار، يعمل على إخراج جميع مسلحيه وسلاحه من جنوب نهر الليطاني، بالدبلوماسية وتحت النيران الإسرائيلية المستمرة، بعدما تسببت حربه المنتصرة بتدمير الجنوب والبقاع والضاحية، وبعدما تكبد “حزب الله” أربعة آلاف مقاتل بينهم كبار قيادييه، ناهيك عن آلاف المعاقين والجرحى، وبات لبنان المفلس، بحاجة، من أجل إعادة إعمار ما تهدم، الى خمسة مليارات دولار أميركي على الأقل.
لقد خسر “حزب الله” وخسّر لبنان كل ذلك، من أجل أن يوافق على ما كان يرفض أن يكون، من دون حرب!
ولكن كل ذلك لا يعنيه. كل ما ينشده أن يبقى ويستمر، واعدًا نفسه بتحقيق الأهداف التي يحلم بها، ولو بعد خمسين سنة!
فجأة، إنتقل “حزب الله” من حالة ذاك الذي يستطيع تحقيق أهدافه بكبسة زر، إلى ذاك الذي يريد الإنتظار الى دهر الداهرين، حتى تتحقق أمنياته!
ما أشبه حال “حزب الله” بذاك الذي يراهن على أنه في يوم من الأيام سوف يربح ورقة “لوتو” ويقلب الدنيا رأسا على عقب.
في الواقع، المشكلة ليست في “حزب الله”، بل في أولئك الذين لا يزالون- يا للأسف- يوالون هذا الحزب الذي يتفوق على غيره بشيء واحد: صناعة الكوارث!