يُتهم حرس الحدود السعودي بقتل أعداد كبيرة من المهاجرين على حدود المملكة مع اليمن حسبما جاء في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش. ويقول التقرير إن مئات الأشخاص غالبيتهم من إثيوبيا حاولوا عبور الحدود من اليمن الممزق بالحرب وصولاً إلى السعودية ليلقوا حتفهم رمياً بالرصاص. وقال بعض المهاجرين لبي بي سي إن أطرافاً بشرية وجثثاً كانت تترك ملقاة على الطرقات.
ونفت السعودية مسبقاً أي ادعاءات بالقتل الممنهج، فيما يعرض التقرير الذي نشرته هيومن رايتش ووتش تحت عنوان “أطلقوا علينا النار كالمطر” شهادات لمهاجرين قالوا إنهم استهدفوا بأسلحة نارية من قبل الشرطة السعودية والجيش على الحدود الشمالية بين اليمن والمملكة.
روى الم هاجرون خلال حديث بي بي سي معهم كل على حدى ومعظمهم من إثيوبيا وبينهم أطفال ونساء رحلة عبورهم الحدود ليلاً وتحت إطلاق الأعيرة النارية في محاولة لدخول المملكة البلد الغني بالنفط.
يقول العشريني مصطفى محمد لبي بي سي “إن إطلاق النار لم يتوقف أبدا، لم أدرك أني أصبت بعيار ناري إلا عندما هممت بالوقوف لأدرك أن جزءاً من قدمي ليس معي”. ويضيف أن بعض أفراد المجموعة وهم حوالي خمسة وأربعين مهاجراً قتلوا بالأعيرة النارية خلال محاولتهم عبور الحدود في تموز يوليو من العام الماضي.
لقد كانت رحلة قاسية وفوضوية لمدة ثلاثة أشهر تعرضوا فيها للخطر والجوع والعنف على يد مهربي البشر من اليمن وإثيوبيا. وفي مقطع فيديو صُورَ بعد ساعات لاحقة تظهر قدم مصطفى اليسرى مقطوعة تماما. أما الآن فقد بُترت ساقه من عند منطقة الرُكبة ليعود ويعيش مع والديه في إثيوبيا يمشي على عكازين وطرف اصطناعي غير مناسب. ويقول مصطفى وهو أب لطفلين “ذهبت إلى السعودية لأني أردت تحسين مستوى حياة عائلتي المادي، لكن ذلك لم يتحقق والآن والداي يقومان بكل شيء من أجلي”. وقال مهاجر إثيوبي آخر، والذي نطلق عليه اسم “إبساء” لحماية هويته، إنه تعرض لإطلاق نار عند الحدود من قبل رجال يرتدون الزي العسكري السعودي.
وقال لبي بي سي: “لقد ضربونا، وقتلوا البعض منا وأخذوا من بقي على قيد الحياة إلى المستشفى. أما جثث من قتلوا فقد تُركت متناثرة على الأرض.”
وأضاف: “أُصبتُ برصاصة بين الفخذين بالقرب من الأماكن الحساسة، وساقيّ مشلولتين الآن. لا يمكنني حتى المشي. اعتقدتُ أنني سأموت.”
“حقول القتل ”
بدت على بعض الناجين علامات الصدمة العميقة، ففي العاصمة اليمنية التقينا بزهراء – اسم غير حقيقي لحماية هويتها - بالكاد تقوى على الكلام ووصف ما حدث. تقول زهراء البالغة 18 عاماً إن رحلتها التي كلفتها حوالي 2500 دولار من أجل الفديات والرشاوى انتهت بوابل من الرصاص على الحدود.
طلقة واحدة خطفت منها كل أصابع يدها، وعندما سألناها عن إصابتها أشاحت وجهها ولم تجب.
وبحسب المنظمة الأممية الدولية للهجرة فإن أكثر من مئتي ألف شخص يحاولون العبور عبر البحر من القرن الأفريقي إلى اليمن ومن ثم إلى المملكة السعودية. وتقول المنظمات الحقوقية إن العديد منهم قد يواجهون السجن او الضرب خلال هذه الرحلة.
وعبور البحر لا يقل خطورة عن العبور بالبر، حيث فُقد أكثر من 24 مهاجراً الأسبوع الماضي بعد غرق سفينة قبالة سواحل جيبوتي. أما في اليمن، فطريق الهجرة مليء بقبور أولئك الذين ماتوا على الطريق.
قبل عامين، قُتل عشرات المهاجرين في أحد مراكز الاحتجاز في العاصمة صنعاء والذي تديره حركة أنصار الله الحوثي كما تسيطر على معظم الشمال اليمني.
وبالعودة لتقرير هيومن رايتش ووتش فإن كاتبة التقرير نادية هاردمان تقول في حديث لبي بي سي إن درجة القتل وطبيعته مختلفة في هذا التقرير. وتضيف “نتحدث عن قتل جماعي، حيث يصف الناس بعض الأماكن بحقول القتل، وجثث متناثرة في الأرجاء”.
ويغطي التقرير الفترة ما بين مارس آذار 2022 لغاية تموز يوليو من هذا العام، ويبحث في 28 حادثة منفصلة تتضمن استخدام أسلحة متفجرة و 14 حالة إطلاق نار على مدى قريب.
وتقول نادية هاردمان كاتبة التقرير إنها رأت مئات الصور المروعة ومقاطع فيديو أرسلها الناجون تظهر فيها إصاباتهم العميقة.
يشير الكاتبون الذي قدموا التقرير إلى صعوبة حصر عدد المهاجرين سواء الأحياء منهم أم الأموات بسبب صعوبة تتبع الناجين ووقوع الحدود في مناطق نائية.
تقول نادية هاردمان “نعتقد أن العدد لا يقل عن 655 لكن قد يصل إلى الآلاف ، لكننا أثبتنا الانتهاكات الواسعة والممنهجة التي يتعرضون لها وقد ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية”.
وجرى الحديث عن قتل واسع النطاق من قبل قوات حرس الحدود السعودي على الحدود الشمالية عبر تقرير قدمه خبراء في مجلس الأمن إلى الحكومة السعودية في أكتوبر تشرين الأول الماضي.
وسلط التقرير آنذاك الضوء على ما أسماه “القتل الممنهج والعنصري وواسع النطاق على الحدود باستخدام الذخيرة الحية والأسلحة الصغيرة من قبل قوات الحدود ضد المهاجرين”. وعلى الرغم من المزاعم الفظيعة التي يحتويها التقرير إلا أن لم يُنشر بشكل واسع.
نفي سعودي
قالت الحكومة السعودية إنها ستنظر في الادعاءات بشكل حثيث لكنها ترفض بشدة وصف الأمم المتحدة بالقتل الممنهج وواسع النطاق. وقالت الحكومة “بناء على المعلومات الشحيحة فإن السلطات السعودية لم تكتشف أي معلومات أو أدلة تثبت الادعاءات المزعومة”.
إلا أن مركزاً للمهاجرين نشر الشهر الماضي بحثاً فيه ادعاءات بالقتل على الحدود يتضمن مقابلات مع ناجين. ويظهر التقرير أوصافاً مروعة لجثث متعفنة عند المنطقة الحدودية. كما تظهر شهادات بعض المهاجرين عن سؤال بعض قوات حرس الحدود السعودي لهم عن القدم التي يفضلون إطلاق النار عليها، إضافة إلى أطلاق النار عليهم بشكل جماعي.
وبالنسبة إلى تقرير هيومن رايتس ووتش فهو الأكثر تفصيلاً متضمناً شهادات لناجين وصوراً عبر الأقمار الصناعية لكافة النقاط الحدودية التي قُتل فيها العديد وأماكن دفن الضحايا كذلك.
ويظهر التقر ير مركزاً للاحتجاز في منطقة “منبه” في اليمن حيث يُعتقل اللاجئون قبل اقتيادهم للحدود عن طريق مهربين مسلحين. تقول إحدى المهاجرات إن جماعة الحوثي تعمل مع المهربين على إدارة مركز الاحتجاز.
وتظهر صور الأقمار الصناعية للموقع وجود خيام باللون البرتقالي قريبة من المركز المذكور.
مدافن حديثة
على الرغم من أن تقرير هيومان رايتس ووتش يغطي الأحداث لغاية يونيو/ حزيران الماضي إلا أن بي بي سي كشفت عن استمرار القتل. وتُظهر صور لبي بي سي من مدينة صعدة في الشمال وصول مهاجرين جرحى إلى إحدى المستشفيات الجمعة الماضي وإلى جانب المستشفى مقبرة تستقبل الموتى.
تواصلت بي بي سي مع الحكومة السعودية للتعليق على الادعاءات التي جاءت في تقارير مقرري الأمم المتحدة ومركز الهجرة المختلطة وهيومان رايتس ووتش لكنها لم تتلقَ أي رد.
لكن مصدراً في الحكومة السعودية أبلغ وكالة الصحافة الفرنسية أن الإدعاءات “لا أساس لها من الصحة وليست مبنية على مصادر موثوقة”.
وفي رسالة أُرسلت إلى منظمة هيومان رايتس ووتش رداً على التقرير، قالت الحكومة التي يقودها الحوثيون في العاصمة اليمنية صنعاء إنها على علم بـ “عمليات القتل المتعمدة للمهاجرين واليمنيين” من جانب حرس الحدود السعودي. كما أنها نفت عملها مع المهربين، قائلة إنها تعتبرهم مجرمين.