فقدت “هيئة الأمم المتحدة” مبرر وجودها. لم يكن، يومًا إنشاؤها يهدف إلى أن تكون ملتقى عالمي للندب والتنديد والقلق، بل كانت من أجل ” صون السلم والأمن الدوليين”!
من أوكرانيا وغزة وأرمينيا، وصولًا إلى سوريا واليمن والسودان وغيرها الكثير، تقف هذه الهيئة التي تأسّست في العام 1945، موقف العاجز، وبالكاد يُتاح لها أن تقدّم مساعدات إنسانيّة.
لا أمل يُرجى منها، فالصراعات الكبيرة والصغيرة مرتبطة بالدول العظمى التي تتحكّم بها، وهي، ومن أجل مصالحها المتضاربة، تراشق بعضها البعض ب”حق النقض”. وفي حال حصلت المعجزة وتوافقت هذه الدول على تصوّر، يصدر من دون أي مفعول، لأنّ الوفاقية تحرم القرارات المتّخذة من الآليات التنفذيّة!
لن نغوص في الأمثلة التاريخية، فحاضرنا مليء بها!
في الحرب الروسيّة- الأوكرانيّة المستمرة منذ 24 شباط( فبراير) 2022 يستحيل التقدّم خطوة واحدة في الأمم المتحدة، حيث “تتربّص” الدول التي تتمتع بحق النقض لبعضها البعض الآخر، دفاعًا عن نفسها أو عمّن يحارب بدعم منها.
وفي الأزمة السورية التي نشأت عنها كوارث كثيرة، ارتطم تنفيذ القرار “التوافقي” رقم 2254 بتعنّت النظام السوري الذي يحظى بدعم عسكري مباشر من روسيا، صاحبة “حق النقض” في مجلس الأمن الدولي. بقيت بنود هذا القرار، على الرغم من “حمائميّتها”، من دون أي اهتمام على الرغم من انقضاء سنوات على صدورها في العام 2015.
وفي الحر ب التي تواجه إسرائيل وقطاع غزّة، منذ السابع من تشرين الأوّل( اكتوبر) الجاري، تعجز الأمم المتحدة عن لعب أيّ دور، بحيث يبدو أنّ واحدة من أصغر دول العالم، مثل قطر قادرة على أن تلعب دورًا عملاقًا بالمقارنة مع الفاعلية المعدومة لهذه المنظمة الدوليّة التي تحوّل أمينها العام أنطونيو غوريتش إلى لقمة سائغة في فم إسرائيل لأنّه تحدث عن الإنسانية في قوانين الحرب!
وفي لبنان، جعل “حزب الله” القوة العسكريّة التي أرسلتها الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب البلاد…مسخرة، إذ أسقط بقرار منه كل الأدوار المناطة بها، وجعل قواتها، بدل أن تضرب بيد من حديد لتنفيذ الولاية المنتدبة من أجلها، تهرع إلى الملاجئ تاركة الميدان لمواجهة بين “حزب الله” وإسرائيل اللذين أسقطا معًا البند الوحيد المنفّذ من القرار 1701 الصادر في العام 2006: وقف الأعمال العدائيّة!
وكان لبنان بدفع من “حزب الله” من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى، قد خاضا في شهر آب( أغسطس) الماضي معركة ضروس من أجل توسيع صلاحيات “يونيفيل”، فانهزم “حزب الله” على الورق ليُثب، منذ السابع من تشرين الأوّل( أكتوبر) الجاري أنّ ما تعطيه الأمم المتحدة لقواتها في نيويورك يمزّقه هو في الجنوب اللبناني. ولم تجد “يونيفيل” أيّ حليف لها في لبنان سوى الأكثر عجزًا منها: رئيس ح كومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي!
وتجربة لبنان مع الأمم المتحدة لا تقتصر على “يونيفيل”. قبل ذلك اختبرت بلاد الأرز “عظمة” دورها في “المحكمة الخاصة بلبنان” التي كانت مكلّفة بالكشف عن المنظومة الكاملة المتورطة باغتيال الرئيس رفيق الحريري والوزيرين السابقين مروان حمادة والياس المر والسياسي جورج حاوي ومحاكمتها، فإذا بها تظهر، بالنتيجة، مثلها مثل القضاء اللبناني في ملف انفجار مرفأ بيروت، بحيث فرض المشتبه بهم شروطهم عليها، فجعلوا منها “مسخرة الأمم”!
وما يصح على العدالة الدوليّة في حالة لبنان يصح مثله وأكثر في حالات أخرى، مثل السودان وروسيا وإسرائيل وغيرها!
باختصار لا قيمة ترجى من هيئة الأمم المتحدة، فهي أصبحت مثلها مثل عصبة الأمم التي، في ظلها اندلعت الحرب العالميّة الثانية التي جرّت على البشريّة ويلات لم تعرف مثلها حتى الحرب العالمية الأولى التي نشبت، في غياب هكذا منظمات دوليّة تهدر مواردها على موطفين ومؤسسات لا حول لها ولا قوة!
إنّ ما تبرر به الأمم المتحدة استمرارها أصغر بكثير من الهدف الذي أنشئت من أجله، ويعرف المتورطون بالصراعات أنّ مهمّات هذه المنظمة الدوليّة يُمكن أن تُعهد الى منظمات غير حكوميّة أكثر فاعليّة، مثل الصليب الأحمر الدولي!
وعليه، حان الوقت لرفع الصوت عاليًا، لأنّ الأمم المتحدة، في مكان ما، أصبحت مجرد “افيون” للشعوب التي “يتكالب” ضدّها الكبار، بحيث ينتظرون نجدة من منظمة دوليّة لن تأتي إلّا عندما يصبحون…رمادًا!
يُزامن يوم الأمم المتحدة، الذي يقع في 24 تشرين الأوّل الذكرى السنوية لدخول ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ في العام 1945. وبتصديق غالبية الموقعين هذه الوثيقة التأسيسية، بمن فيهم الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، ظهرت الأمم المتحدة رسميًا على الساحة الدولية.