في تقييم لهول الدمار في حرب تموز 2006، ظهرالأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله أمام بيئته كما لو كان يجهل أنّّ العملية التي نفذها الحزب وتسببت باندلاع الحرب سوف تُنتج الكوارث التي أنتجتها وقال في رفع المسؤوليّة عنه:” لو كنتُ أعلم”!
لم يحط المستشار الأمركي آموس هوكشتاين في لبنان، أمس وسيطًا بل أتى نذيرًا. من يدقق في نبرته، وهو يتلو البيان “الإعلامي” عن مهمّته في لبنان ، من عين التينة حيث التقى برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، يتخيّل أنّ الرجل من طينة الناطقين الرسميّين باسم الجيوش المكلّفة بتلاوة “البلاغ رقم واحد”.
عمليًّا، قال هوكشتاين إنّ لبنان في حرب فعليّة، لأنّ ليس هناك ما يسمّى بحرب محدودة، وبالتالي فهو معني بخفض التصعيد، لأنّ التصعيد سيجلب الكارثة. اقتراحه كان واضحًا، وهو تغيير النموذج الأمني على طول الخط الأزرق من أجل ضمان أمن الجميع. عصاه تجسّدت في إعطاء مصداقية لما كان قد قاله وزير الدفاع الإسرائيلي مرتين، في وقت سابق، لجهة أنّ أيّ هدنة في غزة لن تنعكس بالضرورة على لبنان. جزرته تمثلت في إشارته الى أنّ لبنان أمام فرصة لإعادة البناء والتقدم في هذه المرحلة الدقيقة، ولهذه الغاية فقد تعمّد لقاء وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض في مطار رفيق الحريري الدولي، إذ كان في طريقه الى باريس، حيث بحث معه في أمور التنقيب عن النفط واستكمال إجراءات جر الكهرباء من الأردن، مذكرًا بذلك بنجاح وساطته السابقة بين لبنان وإسرائيل، في موضوع الخلاف البحري الذي كان قد رفع، في حينه، التهديدات بالحرب الى مستوى “دراماتيكي”.
ومن يدقق ببرنامج لقاءات هوكشاين الكثيف جدًّا في لبنان يفهم جيّدًا أنّ هذا المستشار الأميركي الذي أعلن أنّ تحركه يأتي باسم واشنطن وحلفائها الساعين الى احتواء التصعيد على الجبهة اللبنانية- الإسرائيليّة، لم يأتِ ليَسمع بل ليُسمِع، بحيث اجتمع، للمرّة الأولى، بشخصيات سياسية مؤثرة لم يكن قد التقى بها لا في زياراته التي تلت الثامن من تشرين الأول( أكتوبر) الماضي، ولا في تلك التي سبقت التوقيع على الإتفاق البحري.
وقد كان لافتًا أنّه أعطى حيّزًا من وقته لقوى وشخصيات تتّخذ مواقف صارمة، ليس من فتح جبهة لبنان فحسب بل من “حزب الله”، أيضًا!
لماذا فعل هوكشتاين ذلك، مع علمه أنّ توسيع حركته داخل لبنان مرفقة بما ورد في بيانه الإعلامي، سوف يثير غضب “حزب الله” ؟
وفق أوساط اطلعت على بعض أوجه لقاءات هوكشتاين في لبنان، فهو يتعاطى جديًّا مع احتمال تصعيد إسرائيل للحرب ضد “حزب الله”، فإذا توصلت الى هدنة مع “حماس” في غزّة، فهي، وفي حال لم تحصل على برنامج واضح يسحب القوات العسكرية ل”حزب الله” عن الحدود لعمق عشرة كيلومترات، سوف تنتقل الى المرحلة الثالثة من التصعيد. المرحلة الأولى، كانت دفاعية، بحيث اكتفت في الشهر الأول من فتح “حزب الله” للجبهة الشمالية بالرد على مصادر النار. في المرحلة الثانية الممتدة منذ كانون الثاني حتى اليوم، بدأت باستهداف مقاتلي “قوة الرضوان”حيث تواجدوا جغرافيًّا. في المرحلة الثالثة، وهي التي لا يعرف أحد توقيت بدئها، ولكنّ كثيرين اطلعوا على خططها، سوف تصعّد نوعيًّا، حتى تحقق بالقوة ما عجزت عنه الدبلوماسيّة، الأمر الذي يعني حربًا واسعة النطاق.
من الواضح أنّ هوكشتاين يريد، هذه المرّة، من “حزب الله” أن يصدّق بأنّ الحرب الواسعة ليست تهويلًا دبلوماسيًّا بل حقيقة تحاول الدبلوماسيّة أن تحول دونها.
وليس خافيًا على أحد أنّ “حزب الله” تعاطى مع الوسطاء الدوليّين على أساس أنّهم “مجموعة تهويليّين” هدفهم تحقيق نتائج لمصلحة إسرائيل على حسابه.
هوكشتاين في هندسة زيارته التي استغرقت أقل من ست ساعات فقط، يريد أن يغيّر الصورة ويبلغ “حزب الله” وجميع اللبنانيّين: عند تصعيد مستوى الحرب، نرجو ألّا يطل علينا أحد، ويقول إنّ الحق على الأميركيين والغرب، أو أن يخرج “يتبكبك” على اللبنانيّين المفجوعين ويهمس لهم أنّه لم يكن يعلم!