نبدأ أولًا بالرواية الرسمية، وجاء فيها الآتي:
“قرابة الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم (13 نيسان) وفي محلة عين الرمانة حصل خلاف بين لبناني ينتمي الى إحدى المنظمات الفدائية مع بعض أبناء المحلة، ما أدى الى جرح الفدائي المذكور ونقله الى المستشفى. وبعد فترة وجيزة مرت سيارة فيات في المحلة نفسها، فتبادل ركابها إطلاق النار مع المسلحين الذين انتشروا في الشارع نفسه، فنتج عن ذلك مقتل اللبناني جوزف أبو عاصي. توتر الجو في المحلة. وصودف مرور سيارة أوتوبيس تقلّ فدائيين. فأُطلقت عليهم النيران وقُتل معظم ركابها وبعض العابرين، فبلغ عدد القتلى 22 قتيلاً”.
النهار
وكتبت صحيفة “النهار” عن هذا الحدث الآتي:
“الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الأحد 13 نيسان، بينما كان يُحتفل بتدشين كنيسة في شارع الشيخ بيار الجميل في عين الرمانة، إذ بسيارة فولسفاغن مغطاة الرقم تخترق الشارع فأوقفها أحد رجال الأمن محاولاً الاستفسار من سائقها عن سبب تغطية رقم سيارته، فأجابه بأنه فدائي وينتمي الى إحدى المنظمات، فطلب منه رجل الأمن أن ينزع الغطاء عن رقم سيارته ويعود أدراجه. وبعد لحظات اجتاحت الشارع سيارة فيات مسرعة ومغطاة الرقم أيضاً بداخلها أربعة مسلحين ووراءها اوتوبيس في داخله 20 مسلحاً، وأخذوا يطلقون النار على جموع المصلين، ما أدى الى سقوط قتلى وجرحى بينهم الرفيق جوزف أبي عاصي”.
وزاد لاحقاً الشيخ بيار الجميل:” إن سيارة الفيات قطعت الطريق بسرعة وأطلق من كان فيها النار من أسلحة رشاشة، فقتل جوزف أبو عاصي مع أنطوان ميشال الحسيني، وجرح من المارة عدد من الأشخاص، وهربت سيارة الفولسفاغن بدورها والرصاص من المسلحين في داخلها يطلق بغزارة”.
السفير وجاء في الرواية الفلسطينية التي قدمها مصدر مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية لجريدة السفير بتاريخ 14 نيسان:
“قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم 13 نيسان 1975، وفي أثناء مرور احدى السيارات التابعة لإحدى فصائل الثورة الفلسطينية، تعرضت السيارة في محلة عين الرمانة في بيروت للاحتجاز ثم لإطلاق النار على السائق من عناصر مسلحة من حزب الكتائب اللبنانية.
وقرابة الساعة الأولى بعد الظهر، وفي المحلة نفسها وفي أثناء مرور إحدى سيارات الباص التي تقل عدداً من المواطنين الفلسطينيين الذين شاركوا في الاحتفال بذكرى شهداء الخالصة الأبطال، تعرضت السيارة التي كانت في طريقها الى تل الزعتر لإطلاق نار كثيف من مكامن نصبتها عناصر حزب الكتائب بتدبير مسبق”.
بو خليل
يروي عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب جوزف أبو خليل في كتابه “قصة الموارنة في لبنان” وقائع حادثة عين الرمانة على النحو الآتي:
عند الساعة الحادية عشر من قبل الظهر كان مقرراً أن يبدأ احتفال تدشين كنيسة سيدة الخلاص للروم الكاثوليك في شارع مار مارون المتفرع من شارع بيار الجميل بحضور الشيخ بيار الجميل. وكانت طلبت قوة للمحافظة على السير فعاونتهم مفرزة السيّار المحلية على ذلك. وفي الوقت ذاته كان الفدائيون الفلسطينيون يحتفلون بمهرجان تأبيني أقيم في مخيم صبرا لشهداء الثورة الفلسطينية اشتركت فيه جميع الفصائل الفلسطينية.
نحو الساعة العاشرة تقريباً وصلت إلى مكان الاحتفال سيارة فولكسفاغن يقودها لبناني يدعى منتصر أحمد ناصر، وهو من مقاتلي جبهة التحرير العربية ،وهي الجناح الفلسطيني من حزب البعث العراقي. كانت لوحتها مكشوفة ومعروفة بأنها تابعة للكفاح المسلح الفلسطيني.
حاول رجال السير منعه من المرور فتجاوزهم فاصطدم بجوزف أبو عاصي مرافق الشيخ بيار الجميل وعدد من الشبان الذين حاولوا أيضاً منعه من إكمال طريقه من أمام موقع الاحتفال ،فلم يأبه وتابع طريقه مسرعاً فأطلق الرصاص على السيارة. توقف الرجل ونزل من السيارة بسرعة وسقط على الأرض بعد أن أصيب بجرح في كفه ،وعلى الفور نقل إلى مستشفى القدس الذي تشرف عليه المقاومة الفلسطينية.
بعد ثلثي الساعة تقريباً وصلت سيارة فيات حمراء غطيت لوحتها بأوراق تحمل شعارات فلسطينية وبداخلها أربعة مسلحين، فتجاوزت حاجز الدرك الذي أقيم إثر عملية إطلاق النار السابقة وأخذ المسلحون يطلقون الرصاص عشوائياً على الأهالي المتجمعين عند مدخل الكنيسة، فسقط قتيلاً كل من جوزف أبو عاصي وأنطوان ميشال الحسيني وديب يوسف عساف وإبراهيم حنا أبو خاطر وأصيب سبعة أشخاص بجروح مختلفة.
رد الأهالي بالرصاص على السيارة وهي تحاول الفرار فقتل فدائي وأصيب اثنان نقلتهما قوى الأمن إلى مستشفى القدس، فيما نقل القتلى والجرحى من أهالي عين الرمانة إلى مستشفى الحياة. على صوت الرصاص هبّ شباب عين الرمانة من منازلهم وأسرعوا إلى أسلحتهم وفي اعتقادهم أن هجوماً تتعرض له منطقتهم وراحت الأخبار تنتشر عن تعرض الشيخ بيار الجميل لمحاولة اغتيال، وما زاد من حدة الإشاعات أن الشيخ بيار كان غادر المحلة قبل فترة دون أن يشاهده معظم الأهالي فاعتقدوا أن مكروهاً أصابه.
في هذه الأجواء المشحونة والمتوترة جداً وفيما الأهالي مذهولين مما جرى ويحاولون لملمة آثار ما حدث ودماء أحد عشر شاباً تغطي الأرض والشبان المسلحون يقفون على أعصابهم خوفاً من الساعات القادمة، فجأة اقتحمت الشارع “بوسطة” مزدحمة بالمسلحين الفلسطينيين كانوا متوجهين إلى مخيم تل الزعتر وبنادقهم وأعلامهم وثيابهم المرقطة ظاهرة من النوافذ وهم ينشدون الأناشيد الحماسية، فاعتقد الأهالي أن هجوماً مفاجئاً تتعرض له عين الرمانة إستكمالاً لما جرى.
لحظات وانهمر الرصاص على “البوسطة” التي لم ينج من ركابها سوى السائق واثنان من رجال المقاومة. هذا تفصيلياً ما جرى في عين الرمانة قبل ظهر الأحد 13 نيسان 1975 فكيف تكون حادثة البوسطة هي الشرارة التي أدت لاندلاع الحرب اللبنانية. فأي مراقب محايد عندما يقرأ تسلسل الأحداث التي جرت يومها في عين الرمانة يدرك حتماً أن شرارة اندلاع الحرب كانت محاولة اغتيال الشيخ بيار الجميل وما تعرض له الأهالي من قبل ركاب سيارتي الفولكس فاغن والفيات الحمراء وأن ما حدث مع ركاب “البوسطة” كان رد فعل من قبل الأهالي المذعورين الذين كانوا لا يزالون يلملمون جراحهم وفجأة رأوا الموكب الفلسطيني فراحوا “يطلقون النار بشكل لا يعبر عن شجاعة بقدر ما يعبر عن ذعر”.