"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

صمود سلام وامتحان البيان الوزاري

رئيس التحرير: فارس خشّان
السبت، 8 فبراير 2025

دون غيره، تخلّى نوّاف سلام عن منصب عالمي مرموق، حتى يكون رئيسا للحكومة اللبنانية. سلام لم يعلق ولايته كرئيس لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، بل استقال نهائيًا، وباتت عودته إلى منصبه مستحيلة.

لا يفعل ذلك، بكل ما يعنيه من تضحيات معنوية ومادية، سوى من لديه حلم وطني كبير، ومفهوم طوباوي لما سوف يكتب عنه التاريخ، وما سوف يدوّنه هو شخصيا عن هذا التاريخ!

وهكذا أحلام لا يمكن تحقيقها بمجرد الحصول على المناصب التي بقدر ما يمكن ان تكون نعمة، تتحوّل، بلمحة بصر، إلى نقمة، فكثيرون جاءتهم اللعنات التاريخية بسبب المناصب التي تقلدوها، لأنّهم، في الواقع، لهثوا وراء تحقيق طموحاتهم وليس وراء تجسيد أحلامهم. يكفي عن نراجع جميع هؤلاء المدرجين على “لائحة اللعنة”، ومن بينهم أحياء يرزقون!

وتأسيسا على ذلك، تعاطى سلام مع ضغوط رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتاليا مع ضغوط “الثنائي الشيعي”، ناهيك عن مواقف سلبية تصدر بحقه من جهات تعتبر نفسها “خاسرة” في التشكيلة الحكومية المقترحة، بعناد وصبر حتى ظفر ب”حل معقول”.

تتعارض أهداف الضغوط التي تعرض لها سلام مع الأهداف التي وضعها لحكومته الجديدة وهو في ذلك كان على تقاطع مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، بصفته صاحب التعهدات الكبرى الواردة في خطاب القسم.

كانت ضغوط بري تهدف إلى التحكم بقرارات الحكومة، فبعد ضمان “الثنائي الشيعي” لوزارة المالية وبالتالي التحكم بالتوقيع الثالث الحكمي على كل المراسيم، تطلع إلى التحكم بوجودية الحكومة، من خلال الإمساك بكامل التمثيل الشيعي فيها، بحيث يتمكن من إفقادها الميثاقية، بمجرد الانسحاب منها، وعليه، فإنّ “الثنائي الشيعي” يصبح، من موقع الحائز على قدرة التعطيل، بالتوقيع هنا وبالميثاقية هناك، المتحكم بالتوجهات والقرارات!

وحكومة بهذه العوائق، كانت محكومة بالفشل، لأنّها لن تستطيع ان تستقطب اكثر ما يحتاجه لبنان، في هذه المرحلة: الثقة!

لم يخسر لبنان موقعه المتقدم في العالم العربي ولا جاذبيته الاستثمارية، إلا لأنه خسر الثقة، فلسان حكوماته منذ سنوات طويلة في مكان وقدراتها التنفيذية في مكان آخر. الكلام المعسول الذي يجيده جميع المسؤولين اللبنانيين لم يعد يقنع احدًا، لأنّهم لم يتمكنوا يومًا من تشريف وعودهم!

وكم كان جميلا، مثلا، ما ورد في “إعلان بعبدا” عن قرار لبنان تحييد نفسه عن حروب المنطقة وصراع محاورها، وكم كان مؤلمًا، ان يسارع “حزب الله” إلى تحريف هذا الإعلان، بمجرد ورود أوامر إيرانية معاكسة!

وحده الرئيس ميشال سليمان يستطيع أن يصف هذه الصدمة السلبية التي انعكست وبالا على اللبنانيين عموما وعلى أبناء الطائفة الشيعية خصوصا!

وبعجز حكومة نواف سلام عن استعادة الثقة المفقودة بلبنان، فهي لن تستطيع ان تحقق ولو القليل من الكثير المطلوب منها على كل المستويات، فهي معنية بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل تحت طائلة العودة إلى الحرب، وهي معنية باستقطاب الأموال لإعادة الإعمار، وجذب الاستثمارات للخروج من الجحيم الاقتصادي، وإرساء العدالة بين المكونات اللبنانية للمحافظة على اتفاق الطائف ومعادلاته الوطنية الدقيقة.

وليس سرًا أنّ الخارج عموما والدول التي يعني لبنان أمرها خصوصا، لن تتعاطى بإيجابية مع حكومة يتحكم “حزب الله” بقرارها النهائي، ويمسك بمصيرها، وما من دول أوضح من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، في تأكيد ذلك.

وهذا يعني أنّ نواف سلام، بغض النظر عن الفوارق الكبيرة والكثيرة بينهما، كان ليكون في أحسن أحواله نسخة جديدة لما كانت عليه وضعية الرئيس سعد الحريري، عندما وجد نفسه، في ١٢ كانون الثاني ٢٠١١، وهو على عتبة مكتب الرئيس الأميركي في حينه باراك أوباما، رئيسا لحكومة مستقيلة، عندما استقال منها “تحالف الممانعة”، ومعهم من كان يفترض به ان يمتنع عن الاستقالة لأنه “وزير شيعي مستقل”: عدنان السيد حسين!

وليس من أجل أن يفشل ترك نواف سلام منصب رئيس محكمة العدل الدولية، ولذلك هو يتشدد في تطبيق المعايير التي وضعها بالتوافق مع رئيس الجمهورية.

وبدا واضحا أن سلام يملك القوة الكافية للصمود في وجه عاصفة “الثنائي الشيعي”. ليس بسبب دعم غالبية اللبنانيين فحسب بل أيضا لأنّ البيئة الشيعية نفسها، تنتظر بفارغ الصبر تشكيل حكومة تملك ما يكفي من مؤهلات لمنع تكرار الحرب “الواقفة على صوص ونقطة”، بفعل هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار، من جهة ولتمكين الخزينة من الاستحواذ على المبالغ الهائلة التي تعينها على إعادة إعمار ما هدمته حرب “وحدة الساحات” الإيرانية!

الآن، ولدت الحكومة. المعنيون بتشكيلها يقولون إنها لا تضم حزبيين إنما كفاءات حصلت على توافق أحزاب رشحتها مع الرئيسين عون وسلام. وعندما سألنا عون، من خلال أقرب المقربين إليه، عن وزراءه في الحكومة أجاب: ال24 وزيرا.

وعليه، فإنّ رضى سلام على حكومة ناضل من أجلها وحبور عون بها، يعنيان أن البيان الوزاري المنتظر لن يكون إلا بروحية مبادئ التشكيل وتعهدات خطاب القسم!

المقال السابق
السيرة الذاتية لوزراء الحكومة الجديدة
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

خمسة أسابيع في الرياض!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية