في زمن المبادرة الفرنسيّة التي طرحها الرئ يس إيمانويل ماكرون، عزا وزير الخارجية الفرنسيّة يومها جان إيف لودريان، الفشل الذريع إلى الخلية الدبلوماسية في قصر الإليزيه، واقترابها “أكثر ممّا يجب” من “حزب الله” والعمل “أكثر ممّا يلزم” لاسترضاء الطبقة السياسية التي كانت تتعرّض لضربات موجعة من المجتمع المدني.
ولاحقًا، وبفعل التغيّرات في الحكومة الفرنسيّة تمّ إبعاد لودريان عن منصبه فيما بقيت الخلية الدبلوماسيّة، على ما هي عليه.
ولم يكن مقدّرًا لجان إيف لودريان أن يعود الى لبنان، بأيّ مهمة، إذ كان ماكرون يريد “مكافأة ولائه” بترئيسه “معهد العالم العربي في باريس”، لكنّ “جهود” الرئيس الحالي المنتهية ولايته جاك لانغ نجحت في إبقاء الحال على ما هي عليه، ممّا مكّنه، بحكم الإستمراريّة، من البقاء في منصبه، حتى إشعار آخر.
ولكنّ اللبنانيّين المعارضين ل”حزب الله” بالتعاون مع قوى ضغط فرنسيّة، نجحوا في تصعيب المهمة على الخلية الدبلوماسية في الإليزيه، بحيث تحوّل أداؤهم في الملف الرئاسي الى وبال على ماكرون الذي تعرّض لهجومات فرنسيّة ولبنانيّة جمّة، صوّرته مجرّد متعاون مع “حزب الله” والنظام السوري.
وللتخلّص من هذا المأزق، أعاد ماكرون صديقه لودريان الى الدبلوماسية، وخصّصه بملف لبنان “المعقد”.
بالنسبة لجان إيف لودريان، يمكن اعتبار مهمّته الحاليّة في لبنان تتويجًا لحياته المهنيّة، فإذا نجح طلا تقاعده ذهبًا وأمّن منصة مهمة لجميع من سبق أن عملوا في فريقه، وإن فشل عاد وارتدى طاقية الإخفاء.
ولكنّ نجاحه في مهمّته في غاية التعقيد، فهو يأتي وعليه دين للقوى المعارضة ل”حزب الله”، فلولاها لما كان قد وجد مكانًا له، وفي الوقت نفسه، وعملًا بسياسة فرنسا، ونظرًا للحقائق اللبنانية يستحيل أن يُغضب “الثنائي الشيعي”.
أمام هذه الحالة، كيف يمكن للودريان أن يتصرّف حتى تنجح مهمّته؟
المسألة لا تحتاج الى كثير من التفكير، فالقوى المعارضة لترئيس سليمان فرنجية واضحة، فهي لن تعاند في التوصّل الى حلّ وسط مع “الثنائي الشيعي”، وهذا يعني أنّ على لودريان أن يقنع هذا الثنائي بالتخلّي عن فرنجية، أو أقلّه إبداء الإستعداد للتخلّي عن فرنجية حتى يقود هو، كوسيط حيادي ونزيه، حوارًا غير مباشر مع القوى السياسية الأخرى.
وليتراجع “حزب الله” عن “مرشّحه الوحيد” لا بدّ من أن تبدي فرنسا استعدادًا للتراجع عن انفتاحها السابق عليه، وأن تلوّح بالتراجع عن رفضها إدراح هذا الحزب، بجناحيه العسكري والسياسي، في قوائم الإرهاب في الإتحاد الأوروبي، وأن تُظهر جديّة في نقل ما يحكى عن العقوبات من ا لتلويح الى الواقع.
وفي هذا المسار، تحتاج فرنسا من دون شك إلى غطاء أميركي، من جهة وإلى تدخل الدول العربية الصديقة (وكلّها متوافرة في “الخماسيّة”) من أجل التحدّث مع إيران التي يأتمر “حزب الله” بما يكلّفه به مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
يمكن لفرنسا أن تضاعف ضغطها على القوى اللبنانيّة الأخرى التي طالما كانت في موقع الصداقة معها، ولكنّ هذا لن يجدي نفعًا، لأنّ دفع هذه القوى للإستسلام لمصلحة ما يريد “حزب الله” فرضه، في حال نجح، سوف يكرّس نبذ ماكرون من الوجدان اللبناني المعارض، ويُنمّي مستوى الإستياء منه في الأوساط الفرنسيّة .