في “بلاد الأرز” يسمّون الحكومات التي انجبت الكوارث بالتكافل والتضامن مع “اسديّي لبنان” سابقًا ومع “ايرانييه” لاحقًا، حكومات توافقية.
في واقع الحال، لم تكن يومًا كذلك، اذ إنّها كانت حكومات حصص تتوزع، بنسب متفاوتة، على قوى تنقض على قالب الحلوى الذي تمّ التهام ما بقي من فتاته في السنوات الأخيرة!
إنّ الحكومات الائتلافية التي تولدها الأنظمة البرلمانية تهدف إلى توفير الأغلبية المطلقة في المجالس النيابية، حتى تتمكن من ان تنال الثقة وتحكم، بموجب ما أمكن من البرامج التي رفعتها في حملاتها الانتخابية.
وقد يتلاقى إلى طاولة الحكومة الواحدة في هذا النوع من الحكومات، المختلفون في السياسة والطموحات والتطلعات، ولكنّ هذا التقاطع الظرفي لا يكون على قاعدة “الحصص” بل على قاعدة الاتفاق على برنامج عمل.
ولهذا السبب، وقبل الاتفاق على توزيع الحقائب والأحجام في الحكومة، تتحاور الأطراف المعنية بالتوصل إلى ائتلاف حكومي، من أجل وضع خارطة طريق للحكم المشترك، فإذا توصلوا اليها، حددوا أولوياتهم وأعلنوها، وأهملوا خلافاتهم وحيّدوها.
وبناء على هذا البرنامج يتم تشكيل حكومة ائتلافية، تصمد ما صمد كل طرف فيها بالتمسك بالتزاماته، على ان يصار إلى اقالته او استقالته في حال الإخلال وتسارع القوى الباقية في الإئتلاف إلى التفتيش عن قوة بديلة يمكنها توفير الأكثرية النيابية المطلوبة والا فإنّ أصحاب الصلاحية يعمدون إلى حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، كما حصل في ألمانيا أخيرًا وكما يحصل في إسرائيل غالبًا وغيرهما من الدول التي تعتمد النظام البرلماني.
وإذا كانت التجارب الكثيرة بيّنت أنّ حكومات المتشابهين اكثر إنتاجية إلا أنها أظهرت أن الحكومات الائتلافية ليست كارثية، فالتعويض عن الخلافات يكون بالتفاهم على البرنامج!
ولدى تشكيل حكومات ائتلافية لا تكمن الصعوبة في أسماء الوزراء اذ إنّ كل قوة وافقت على البرنامج المشترك تأخذ الحقائب ذات الصلة وتعهد بها إلى شخصيات تعتبر أنها قادرة على تشريف القوة السياسية المعنية بها، بحيث ينعكس سلوك الوزير، في حال كان سيّئًا، على سمعة الجماعة السياسية التي اختارته وسمّته وفرضته على الإئتلاف الحكومي.
وعادة ما تكون هناك في الدول التي تحترم الناخب قواعد تأهيلية للوزير، بحيث لا تكون لديه أي فضائح مستورة أو أي مشاكل مع القانون أو أي إشكالية مع النزاهة!
وفي لبنان تعتمد الطبقة السياسية تسمية “الديموقراطية التوافقية”، ولكنّها تريد بها الباطل!
يفترض ان يبدأ هذا التوافق من الحاجة إلى أكثرية نيابية ويتوقف عنده!
ويفترض أن يكون حجر الزاوية فيه هو البرنامج وليس الحصص!
ويفترض ان تكون المشكلة مع الأسماء تتمحور حول صلتها الاختصاصية باتفاق توزيع الحقائب، لا بالجهة التي لها الخيار الأخير في انتقاء اسم من بين باقة أسماء!
ولا يمكن لطرف ان يكون في حكومة ترفع شعار خدمة المواطن بشكل متساو، وهو يستمد قوته من مستوى تمثيله الطائفي!
ولهذه الأسباب، فان الحكومات التي يطلقون عليها زورا في لبنان صفة “التوافقية”، هي حكومات “كارثية”، لأنّ القرارات التي تتخذ فيها تصنع خارجها، والمشاريع التي تطرح على طاولتها يتحدد الموقف منها على طاولات الآخرين، ولأنّ خدمة المواطن يستح يل أن تمر إذا لم تكن في خدمة الطائفة أوّلًا!
يفترض ان يكون الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام استاذًا كبيرًا في مادة “الحكومات الائتلافية”، لأنّه اهتمّ بهذا الشأن طويلًا وكتب عنه كثيرًا!
ويفترض أيضا ان يكون على دراية كاملة بأنّ مفهوم الائتلاف حتى يكون منتجًا لمفاعيله الإيجابية يجب إلا ينحرف إلى دائرة المحاصصة التي إن تنعّم بها طرف أصبحت حقًا مشروعًا لجميع الأطراف!
مشكلة لبنان كانت، وهي، وستكون في عدم تفسير الميثاقية، وهي كلمة طائفية بامتياز، على أساس ارتباطها بالوطنية وبالمفاهيم الدستورية الصحيحة!
ان مشكلة نوّاف سلام لا يفترض ان تكون مع الجهة التي تسمي الوزراء، بل مع المعايير المتفق عليها للتوزير ومدى ارتباطها ببرنامج العمل المتفق عليه مع القوى الراغبة بالدخول إلى الحكومة!
ان مشكلة لبنان اليوم تبدأ بفقدان ثقة الخارج به وبمستوياته السياسية والإدارية والأمنية والقضائية، لجهة ارتباط هذه المشكلة بالكوارث الدمارية والافلاسية التي تعاني منها البلاد ويتكبد المواطنون أثمانها. وعليه، فإنّ مسؤولية سلام تكمن في عدم قبول مشاركة أي طرف لا يرغب بصدق في تقديم مساهماته القوية لتحقيق هذه الأهداف الوطنية!
لو أصرّ نوّاف سلام على كل ذلك، وكان شفافًا مع الرأي العام، لكانت الأطراف المعرقلة هي في مشكلة وليس هو على الإطلاق!