إندلع جدال بين مفسّري القرار الذي أصدرته، يوم الجمعة الأخير، محكمة العدل الدوليّة وأمرت فيه إسرائيل بإجراءات توقف تعريض سكان قطاع غزّة للإبادة.
وينقسم هؤلاء المفسّرون للقرار الى فئتين:
الأولى تقول إنّ المحكمة لم تأمر بوقف الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة، وهي لو شاءت ذلك، لكانت قد أوردت نصًا صريحًا وواضحًا ولا يحمل أيّ لبس، وفق ما سبق أن فعلته حين أمرت روسيا بوقف حربها ضد أوكرانيا، إذ إنّ المحاكم في قراراتها ملزمة بالوضوح التام ولا يمكنها أن تُبقي أطراف الدعوى في دائرة الغموض أو تتيح لهم الإجتهاد .
أمّا الفئة الثانية فتفيد بأنّ القرار طلب وقف النار ضمنًا، إذ يستحيل تطبيق ما ورد من أوامر مثل “الإمتناع عن قتل أعضاء الجماعة الفلسطينية في غزة، والإمتناع عن التسبب بأيّ ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء هذه الجماعة”، من دون وقف العمليات الحربيّة، تمامًا كما حصل في قرارات صادرة عن المحكمة في قضية ميانمار، مثلًا.
ولن يستطيع أيّ طرف فرض وجهة نظره، قبل أن تبت المحكمة نفسها بذلك، بعد أكثر من شهر، حين تقدم لها إسرائيل تقريرًا بما اتخذته من تدابير لتنفيذ أوامر المحكمة.
وبعد شهر من صدور قرار محكمة العدل الدولية على إسرائيل أن تق دم تقريرًا للمحكمة وتسلّم نسخة منه الى دولة جنوب إفريقيا التي سوف تعطي ملاحظات عليه، فإذا جادلت بمضمونه واعتبرته لا يتطابق والأوامر الصادرة، تلتئم المحكمة مجددًا وتصدر قرارًا جديدًا، من شأنه أن يوضح كلّ الإلتباسات.
ويمكن لإسرائيل أن تجادل في هذا السياق، إذ إنّ المحكمة التي أمرتها باتخاذ إجراءات عاجلة للمحافظة على حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، دعت الطرف الآخر في النزاع، وإن كان خارج إطار الدعوى مباشرة، أي “حركة حماس” والجماعات المسلّحة الأخرى، إلى إطلاق سراح الرهائن الذين خطفتهم في السابع من تشرين الأول( اكتوبر) الماضي واحتجزتهم، “فورًا ومن دون أيّ قيد وشرط”، الأمر الذي يبدو مستحيلًا تنفيذه، إذ إنّ “حركة حماس” تربط هذا الإفراج بسلّة شروط.
وبعد أن تحسم محكمة العدل الدوليّة، بالتوضيح المقبل، هذا الجدل حول استمرار الحرب ضمن سياق احترام جميع أطرافها القانون الإنساني الدولي أو وقفها من أجل وضع حد لأضرارها التي حددها القرار، تنطلق ورشة قضائية وقانونية كبيرة، إذ إنّ الدعوى لا تزال في مرحلتها الإبتدائية ولم تدخل في أساس النزاع الذي يوجه اتهامًا لإسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
وفي هذا السياق، يفترض أن تعطي محكمة العدل الدولية مهلة كافية لدولة جنوب إفريقيا من أجل تقديم دعواها، إذ إنّها حتى تاريخه اكتفت بتقديم عريضة تهدف الى اتخاذ إجراءات احترازية عاجلة.
وبعد أن تقدم جنوب إفريقيا مذكرتها وأدلتها تعطي المحكمة إسرائيل مهلة كافية لتقديم دفاعها.
وقد تتكرر هذه العملية لأكثر من مرتين، إذ يملك الطرفان حق المخاصمة، في وقت تستطيع فيه أطراف أخرى الدخول في الدعوى، سواء ضد إسرائيل أو لمصلحتها.
وفي حال سرت الأمور على هذه الوتيرة، فإنّ البت بالقضية يحتاج الى أكثر من سنة ونصف السنة.
ولكن ما يمكن أن يطيل الدعوى لمدة أكبر بكثير، هو امتلاك إسرائيل حق الطعن باختصاص محكمة العدل الدولية النظر في الدعوى، من جهة واعتبار اتفاقية الإبادة الجماعية منطبقة على هذه الحالة، من جهة أخرى.
وفي القرار التمهيدي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، يوم الجمعة الأخير، شددت على أنّ ما ورد فيه لا يشكل حكمًا مسبقًا في مسألة احتفاظ المحكمة بصلاحية النظر في موضوع الدعوى أو بأي مسألة تتعلق بمقبوليّة الطلب.
وتعتبر إسرائيل، وفق نص المخالفة التي وضعها ممثلّها في هيئة القضاة الدوليين أهارون باراك، فإن المحكمة لا صلاحية لها في تطبيق إتفاقية الإبادة الجماعية على الحرب في قطاع غزة، لأنّ الموضوع يتمحور حول القانون الإنساني الدولي.
وفي هذه الحالة، فإنّ المحكمة، في حال احتفظت بصلاحيّتها، فهي تحتاج الى ما يقارب الثلاث سنوات للبت بها.