لا يمكن لحكاية هروب رجل الأعمال اللبناني الأصل كارلوس غصن من سجنه في اليابان ألا تثير شهية صانعي الأفلام ومؤلفي الروايات، وها هي ذي تظهر في كتاب من نوع القصص المصورة يصدر الثلاثاء، باللغة الفرنسية، عن منشورات «سمير» في لبنان، للكاتبة والمصورة ميشيل ستانديوفسكي والرسام محمد قريطم.
وقبل يومين من نهاية عام 2019، وبعد 110 أيام من الإقامة الجبرية في اليابان والملاحقة القضائية بسبب تهم مالية، تمكن كارلوس غصن، المدير العام ورئيس شركتي «نيسان» و«رينو» للسيارات، من الهرب والوصول إلى بيروت متخفياً في حقيبة لمعدات موسيقية. وبعد مرور 4 سنوات على الواقعة التي شغلت وسائل الإعلام العالمية، توصلت المؤلفة الفرنسية مع فريق عمل لبناني إلى مقابلة غصن 4 مرات، وأمضت معه ما مجموعه 8 ساعات، روى فيها التفاصيل المدهشة لعملية الهروب.
تعمل ميشيل ستانديوفسكي مدرّسة في أكاديمية الفنون الجميلة في لبنان، وقالت في مقابلة معها لصحيفة «مدام فيغارو» إنها لم تكن متحمسة للكتاب حين اتصل بها الناشر وعرض عليها فكرته. كان الموضوع مختلفاً عما اعتادت أن تفعله، كما أنها لم تكن تتعاطف مع رجل الأعمال الهارب، لكنها وافقت حين عرفت أن الكتاب المطلوب هو من النوع الذي يمزج بين الحقيقة والخيال، مع نبرة ساخرة لا تهدف لمحاكمة غصن ولا للدفاع عنه، بل تركز على تفاصيل نقل رجل في علبة لآلة موسيقية.
وتمت مراحل العمل بمساعدة فريق بحث بإشراف دار النشر اللبنانية التي س بق للمؤلفة أن تعاملت معها. واهتم بتوفير المادة الوثائقية الصحافي أنطوني سمراني، رئيس تحرير صحيفة «لوريان لوجور»، وهو الذي قاد المقابلات مع كارلوس غصن. أما مهمة رسم الحكاية فقد اختارت لها تلميذها السابق محمد قريطم؛ لأن رسومه، في رأيها، تجمع بين الأناقة والهزل.
وخلال المقابلات، كانت المؤلفة تستمع وتراقب، وكذلك الرسام. وتقول إنها تدخلت لتطرح أسئلة تبدو ساذجة لكنها أفادتها في بناء ملامح الشخصية؛ فهي قد سألته عما يتناوله في الفطور، ونوع الأحذية التي يرتديها. وأسهمت أسئلتها في تخفيف التوتر الذي ساد الجلسات التي جرت في بيته. وهي لم تنبهر بأجواء المنزل البيروتي التقليدي الجميل، ولا بكونه يستشهد كثيراً بعبارات للإمبراطور نابليون، لكنها لاحظت كم أن كارلوس غصن يعيش في فقاعة؛ فهو يكرر مرات عدة أن مرتبه من الشركات اليابانية والفرنسية كان دون استحقاقه، وهو أقل كثيراً مما كان يحصل عليه لدى شركة «جنرال موتورز». أما زوجته فقد فاجأتها ببساطتها وبنظرات الحب التي تحيط بها زوجها.
وتضيف: «كان بإمكان غصن أن يرفض لقاءنا، لكنه وافق على أن يلعب اللعبة لأن الموضوع بدا له خفيفاً أو مسلياً. إن لبنان بلد جميل لكنه يبقى صغيراً لمن اعتاد أن يتجول في العالم بطائرة خاصة. إنه يعيش في سجن ذهبي، وهو أيضاً سجين الشخصية التي أصبح عليها، ويود مغادرتها قليلاً. وفي لقائنا الأخير، ونحن نتركه، قلت له إننا قد نتناول الموضوع بأسلوب لا يرضيه. وهذا الأسلوب هو ما منح الكتاب نبرته».
وفي صفحات الكتاب يظهر كارلوس غصن وهو يحاول أن يتأقلم مع العادات اليابانية في تناول «السوشي» بالعصا الخشبية، أو المعاناة من ألم الظهر بسبب كثرة الانحناء عند تبادل التحية. وقد لجأت المؤلفة إلى حيلة للتعليق على بعض أقواله التي يمتدح فيها نفسه؛ فهو عندما يؤكد أنه كان قريباً من مرؤوسيه، تظهر في فضاء الصفحة دائماً شخصية خيالية لتذكيره بأنه لم يرتبط بصداقة مع أي من العاملين معه.
الشرق الأوسط