"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

حركة نسائيّة غربية تروّج "للرجعيّة": ثورة محافظة ضد "إرهاق الحداثة" أو دعاية لليمين المتطرّف؟

كريستين نمر
الخميس، 27 أبريل 2023

لا تبدو عفوية مطلقًا، ولا يبدو أنّ أدنى تفصيل في مظهرها متروك للصدفة. إنها الأميركية إستي ويليامزEstee Williams، احدى رائدات حركة “الزوجات التقليديّات” التي تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي منبرًا لها. ووليامز المؤثرة الناشطة على موقع تيك توك، حيث يتابعها نحو ٨٥ ألف حساب، تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا. لا تتخلى في اطلالاتها عن المنظر الكامل: مكياج لا تشوبه شائبة، بشرت حريرية، قدّ ميّاس، قوام مصقول أزياء أنيقة، أنيقة حتى وهي في المطبخ تحضّر الطعام بمريولها “المكشكش” الشهير، وهي تتحدث عن حياتها التي رهنتها لزوجها، ووقتها الذي كرّسته لرعايته والاهتمام به وتلبية احتياجاته…

DY1qDAr7S3jY4XgYOXRY 1676972316218

                   Estee Williams

Tradwife والثقافة الرقمية

ولد مصطلح “Tradwife” وازدهر على وسائل التواصل الاجتماعي في العام ٢٠١٧، مع انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، واستمر في النمو حتى وصل إلى ذروته في العام ٢٠٢٢.

تقوم فكرة حركة ” Tradwife” المحافظة والمتطرّفة على تبعية الزوجة للزوج الذي هو رأس المرأة كما يقول الكتاب المقدّس، وهي جزء من اتجاه “cottagecore”، الذي يدعو إلى عودة المرأة إلى حياة جدّاتنا التقليدية “البعيدة عن الاستقلالية المادية وتحقيق الذات”، وإلى التفرغ للأعمال المنزلية من “طبخ ونفخ” وكنس ومسح وغسيل وكيّ واهتمام بالأولاد… فدعاة هذه الحركة، ” تَعِبن من العالم الحديث، الصاخب، الخطير والمثير للقلق، ويَرِدن تجربة حياة أكثر بساطة تقوم على الزراعة والقراءة والحياكة…” على حدّ قولهنّ.

إذن، تزاول تلك السيدات أنشطة أقل ما يقال عنها في زمننا هذا “مضيعة للوقت”، إنما بزيّ مغرٍ، وشفاه مكتنزة، وشعر مصفّف…

بين الموقف الرجعي والرغبة الغريبة في الأمن.

طبعًا لا تتمتّع جميع معتنقات هذا المذهب بمظهر إستي ويليامز التي تذكّر بنجوم حقبة خمسينات القرن الماضي، فأخريات مثل الفرنسية Hanna Gas (٣٦ عامًا) صاحبة مدوّنة “Apprendre les bonnes manières” أو “تعلّم الأخلاق الحميدة”، والتي تعتمد بنسبة أقل على الرموز الجنسية، كما كانت عليه زوجات بداية القرن العشرين، إذ تشجّع على “الموضة المحتشمة” التي تعني عدم إبراز معالم الجسد، بحيث ابتكرت مجموعة من الملابس النسائية التي تتميّز بالفساتين الطويلة الفضفاضة والمتسترة عند منطقة الصدر مع أكمام تغطي قسمًا من الذراع، واللافت في مجموعتها، خلوها من السراويل النسائية.

maxresdefault

                 Hana Gas وبعض من الملابس التي ابتكرتها

حياة أليفة

تقضي إستي ويليامز Estee Williams من ثلاث إلى خمس ساعات في اليوم في المطبخ لتحضير الطعام المفضّل لزوجها كونور Conor، والذي غالبًا ما يكون مؤلفًا من لحوم الطرائد التي اصطادها خلال رحلاته مع أصدقائه، إضافة إلى الخبز المنزلي والمعكرونة المنزلية والعصائر التي تضمّ عشرة مكوّنات على الأقل، وذلك “للحفاظ على التوازن الغذائي” كما تقول.

“أنثوية وليست نسوية”

والزواج، هو أحد أركان فلسفة حساب” thetradwivesclub” في إنستغرام، وليكون ناجحًا لا بل مثاليًا، على المرأة تنمية أنوثتها لكي تتمكّن من اجتذاب رجل يتمتّع بمزايا عالية، والأنثوية بنظر هذه الحركة، تتجلّى بالخضوع والطاعة العمياء للرجل إضافة إلى تمتعها بقدر كبير من الجمال. في مقطع فيديو من جزأين حول الممارسات الزوجية الجيدة، والذي وصل إلى ٨٠٠ ألف مشاهدة على “تيك توك”، توضح إستي ويليامز Estee Williams الآتي: “أرتدي ملابسي الجميلة المفضّلة لدى كونور Connor (زوجها)، وأرتّب شعري كما يحلو له وأضع المكياج، حتى لو بقيت في المنزل. […]، وأطبخ له ما يشتهي، فرغباته هي قبل رغباتي.. وتلبية احتياجاته تأتي قبل احتياجاتي، فهذا أحد أهم أركان الزواج الناجح”، مع هاشتاغ: # النسوية_النسائية (أنثوية وليست نسوية).

وتعتبر حركة “tradwive” انّ النسوية الحديثة قد جعلت النساء أكثر ضعفًا، “فبالإضافة إلى واجباتهن المنزلية وعبء تربية أطفالهن، عليهن أيضًا التركيز على عملهنّ ونجاحهن المهني”، كما تعتبر “ان الحركات النسوية التي ظهرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قد شاركت في تشويه سمعة ربة المنزل أو ما يسمى بالزوجات التقليديات” على حد قولهنّ.

وتعوّل هذه الحركة على البريطانية Alena Kate petit التي هي واحدة من رائداتها التي تسعى إلى “استعادة طريقة عيش النبلاء”، كما تقول، بحيث أنشأت في العام ٢٠١٦، مدوّنة “The Darling Academy”، التي تتحدّث فيها عن “القيم” التي نشأت عليها، وتقدّم الإرشادات حول فن الحفاظ على المنزل والمحافظة على المظهر الحسن والأنيق…في كل الظروف.

Untitled-6 Alena kate petit

ضد التيّار

ولكن، ما الذي دفع تلك النساء إلى حبس أنفسهن في مطابخهن والسباحة ضد تيار عصر لم يتوقّف يومًا عن المناداة والمطالبة بمزيد من الحقوق للمرأة؟

تقول Estee Williams: “لم أنشأ في منزل تقليدي، لا بل مع أم كادحة اضطرت لتقوم بأعمال عدة في وقت واحد لإعالتنا إخوتي وأنا، بعد انفصالها عن والدي”.

وتقول Alena Kate petit في مقابلة مع بي بي سي تعود للعام ٢٠٢٠، إنها لم تكن يومًا من دعاة ثقافة “girlboss”، التي كانت سائدة عندما كانت في الجامعة في أواخر التسعينيات، والتي تقوم على أساس فكرة أن المرأة يجب أن تكون طموحة ومتحررة جنسيًا، بينما تمارس مهنًا مرموقة.

وأدرجت هنا غاز Hanna Gas، التي وصفت نفسها ب “مدرّبة العصور الحديثة”، على موقعها سلسلة من الدورات التعليمية التي تعنى بأناقة المرأة وجسدها وطرق إثارة الزوج.

وفي مقابلة مع موقع The Conservative Enthusiast الإخباري، تحدثت عن رحلتها هذه فقالت: “كنت نسوية مقتنعة، كنت بمثابة الرجل الثاني في العلاقة مع زوجي، غالبية الأشياء تقع على عاتقي إذ كنت أعتبر أنني أكثر منه اطلاعًا على كثير من الأمور، كأصول حسن اللياقة والتصرّف والكلام… لقد كانت فترة مظلمة بالنسبة لي، وكنت أرغب في إنهائها، إلى أن جاء اليوم الذي تعرفت فيه على يسوع، فتغيّرت حياتي ونظرتي لذاتي بشكل خاص وللمرأة بشكل عام وبدأت نعمه تحلّ عليّ، تعلّمت المعنى الحقيقي للأنوثة التي تقوم على التكامل بين الذكر والأنثى، فعرفت حدودي وما عليّ من حقوق وواجبات، فبعد أن كان تنظيف المنزل بمثابة العمل المضني بات اللذة التي أستيقظ كل يوم لأمارسها”.

وإستي ويليامز، كما هانا غاز، قررتا العيش بحسب “التعاليم المسيحية التي من أهم ركائزها الطاعة للرجل” وتقول ويليامز: ” صحيح أنني مسيحية وأن نشأتي في عائلة روحية كانت السبب في اختياري هذا الطريق إلا أنّ الجزء الذي يتحدّث عن ربّات البيوت في الكتاب المقدّس هو أكثر ما أثرّ فيّ”.

القلق الحديث

قد تفرض هذه الحركة التقليدية تقوقعًا على الذات وأسلوب حياة يتميّز بالخوف من الآخرين، فإستي ويليامز لا تذهب أبدًا إلى صالة الألعاب الرياضية من دون زوجها كما تقول، وتضيف: “شيئان أحرص عليهما، تجنّب نظرات الذكور والحيوانات المفترسة، وإذا اضطررت للخروج وحدي فيجب أن يكون زوجي على علم بكل تحركاتي من خلال تطبيق تحديد الموقع الجغرافي على الهاتف الجوّال.

وتتحدّث ألينا كيت بيتي Alena Kate petit في مقطع الفيديو الخاص بها ل”بي بي سي”، بأسلوب عنصري يميني يعيدك إلى حقبة مظلمة عندما تقول: “أسعى إلى إعادة مجد بريطانيا العظمى أيام ما كان بإمكانك النوم والأبواب مفتوحة، لقد تغيّر الزمن ولم نعد نعرف هوية بلدنا…”

مغازلة مع التطرف

إلا أنه في ظلّ هذا المظهر “المطمئن” وغير المؤذي، نلحظ وكأن ثمة تماهيًا في الأفكار مع اليمين المتطرّف والحركات الذكوريّة، كما أنّ خطابات البعض منهن تحمل عنصرية مقيتة وهذا ما حصل بالضبط مع “Ayla stewart” المعروفة تحت اسم aka@wifewithapurpose التي أطلقت في العام ٢٠١٧ “white baby challenge” حيث دعت في فيديو، تمّ حذفه لاحقًا، إلى المحافظة على العرق الآري وتقول فيه: “لقد أنجبت ستة أطفال أحذوا حذوي أو… اسبقوني”

وفقًا لآني كيلي Annie Kelly، طالبة الدكتوراه الأمريكية التي تركّز أبحاثها على اليمين المتطرّف ومعاداة النسوية على الإنترنت، فإن “الجمالية الرجعية لحركة “Tradwive” تكمن في المساهمة في تخفيف الاستبداد الكامن، بوعي أو بغير وعي داخل المرأة”، وتقول كيلي: “لا أحد يعتبر نفسه مجرمًا، وهذا ينطبق على تلك الفئة من السيّدات اللواتي يتعرّضن لهجوم يومي بحيث وُصِفت أيديولوجيتهن بالنازية الجديدة، كل ما يرغبن به، هو ببساطة عالم أكثر نظافة وأكثر سعادة لتربية أطفالهن وتأمين بيئة تتلاءم مع براءتهم.. على ما يبدو”.

المقال السابق
مصدر دبلوماسي يرد على اتهام بلاده ب"الطمع بالسوق اللبناني"
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

إسأل مجرّب... لبنانيون يستفسرون وغزاويون ينصحون حول الحرب والنزوح

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية