في لبنان بلد الطوائف والطائفية السياسية، تبرز ، في هذه الفترة بشكل خاص، حساسية وخطورة الفراغ السياسي على مستوى المرجعية السنية اللبنانية، وذلك منذ انكفاء الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي عن المشهد العام.
وفي ظل سيادة مخطوفة ودولة عاجزة وحكم دستوري مغيَّب ومؤسسات عامة في حالة من الانهيار، وفي وقت تعاني فيه معظم فئات الشعب من فقدان شبكات الأمان الاجتماعي وتئنّ تحت وطأة انهيار اقتصادي ونقدي لم تشهد البلاد مثيلا له في تاريخها الحديث، يصبح الفراغ على مستوى القيادة وضعف المناعة الاجتماعية مبعث قلق جدي من مشاريع الاختراق التي تطل برأسها والتي إذا ما قيّد لها انتشار أوسع على الساحة السنية ان يكون لها تأثيرها العميق على وجه البلد ومستقبله. فما بالك أيضا والاقليم في حالة اشتعال منذ السابع من تشرين الماضي مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وما يرافقها من ارتدادات على مستوى المنطقة بأكملها.
ففي خضم هذه الحرب، وكالمعتاد، كان للبنان، البلد الهش المسلوب السيادة، النصيب الأكبر من تداعياتها حين فتح “حزب الله” جبهة مناوشات حدودية مع إسرائيل لم يكن لها تأثير يذكر على مجريات الحرب في غزة لكنها بالإضافة الى الخسائر التي الحقتها باللبنانيين، فهي أظهرت لبنان مرة أخرى بصورة الدولة فاشلة وأعطت في الوقت عينه الدولة العبرية كل التبريرات لشن حرب أوسع على لبنان وفي التوقيت الذي يناسبها.
الجديد هذه المرة هو الإعلان عن الدخول العسكري السنّي على جبهة جنوب لبنان ولو كان بشكل رمزي وتحت سيطرة حزب الله الكاملة والذي تمثّل برشقات من الصواريخ تطلق من وقت لآخر باتجاه إسرائيل او بمحاولات تسلل لمجموعات مسلحة عبر الحدود يتم تبنيها من “كتائب القسام -فرع لبنان” حينًا ، أو من قبل “قوات الفجر” أو ما يسمّى بالجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان، حينا آخر،تحت عنوان مقاومة إسرائيل ومساندة الفلسطينيين على طريق تحرير القدس!
هل يشي هذا التطور على الحدود، واستلهامًا بتجربة “حزب الله”، بولادة مشروع تمكين للإسلام السياسي السني في لبنان برعاية إيرانية ، وذلك تمهيدًا لإحكام سيطرة الممانعة الكاملة على لبنان عبر الضلَعين الشيعي والسنّي؟ أم أنّ الامر يقتصر فقط على إجراءات استعراضية مرحلية غايتها فقط التنفيس عن الاحتقان السني العام والناتج عن قناعة بوقوع “حماس” ضحية خديعة كبرى من قبل المحور الإيراني بعدما تركت وحدها في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية ، خلافا لضجيج وصراخ وحدة الساحات السابق للسابع من تشرين الأوّل؟ إذا صحّ الاحتمال الأوّل، فإنّ نتائجه على لبنان وتركيبته لن تكون عابرة ولا بد اذن في هذه الحالة من التوقف عنده وتفحص ظروف تكوّنه وامكانيات نجاحه.