“الميدان” لن يوقف الحرب الإسرائيلية على “حزب الله” في لبنان. الجيش الإسرائيلي وضع خطة لحرب متدرجة، تهدف الى إلحاق هزيمة ب”درة تاج” جبهة المقاومة الإيرانية في المنطقة، مدعومًا بذلك ليس من حكومته فحسب، بل من رؤساء المجالس الإقليمية في شمال إسرائيل، أيضا. جميع هؤلاء يعتبرون أنّ كتابة المستقبل لا يمكن أن تكون حقيقية إلا إذا كان رماد “حزب الله” هو حبرها. في المقابل، لا يعرف “حزب الله” معنى الهزيمة. في عقيدته، الخسائر، مهما كانت فادحة وعميقة ومؤلمة ومؤثرة، ليست سوى مرحلة لا بد منها في “الحرب الأبدية” التي يخوضها ضد وجودية الكيان الصهيوني في المنطقة، وبالتالي، هو يستحيل أن يستسلم، لأّن هدفه يتخطى مقاتليه وقياداته والوطن الذي يعمل فيه، على اعتبار أنّه مجرد جزء- ولو كان أساسيا- في مشروع كبير يقوده مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران. وأقوال الأمين العام الراحل حسن نصرالله، في هذا السياق، لا تزال حاضرة، ولا سيما منها تلك التي يتفاخر فيها بأنه “جندي في جيش الولي الفقيه”!
إذًا، لا بد من طرف ثالث يضع حدًا لهذه الحرب المدمرة والقاتلة بين طرفين، أحدهما واثق بقدرته على الإنتصار وثانيهما مؤمن بقدرته على تجاوز الهزيمة!
كان الجميع، بما في ذلك الأمين العام الجديد ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، يراهنون على انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية. كان جميع هؤلاء يعتبرون أنّ انتهاء هذه الانتخابات سوف يخلق واقعًا سياسيا جديدا، إنطلاقا من انتفاء حاجة المرشحين الى “اللوبي الصهيوني” الذي له فهم خاطئ في العقل “الممانع”، إذ يعتبرونه مجرد عامل مؤثر في التحشيد التصويتي، ولا يفقهون مدى تغلغله في الوجدان الأميركي، وتحديدا من خلال تيارات مسيحية مؤثرة.
ما بدأ يُنجزه ترامب من تعيينات لإدارته المقبلة والتي تستلم زمام الأمور في العشرين من كانون الثاني المقبل، تُظهر، بشقها الشرق أوسطي، انحيازًا واضحًا لمصلحة إسرائيل، وثمة من يعتقد بأنّه لو قُدر لبنيامين نتنياهو نفسه أن يقوم بالتعيينات، لما اختار آخرين، لا في الدفاع ولا في الأمن القومي ولا في السفارتين الأميركيتين في إسرائيل والأمم المتحدة، ولا في “القائمة القصيرة” للمرشحين لاستسلام حقيبة وزارة الخارجية.
والرهان على دور حاسم لإدارة جو بايدن، في المرحلة الإنتقالية، ليس في مكانه، أيضا، لأنّ الطرح الذي بلورته، سبق أن رفضه “حزب الله” قطعيا، بتدخل إيراني مباشر، أثار الاستياء العلني لكل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وزعيم دروز لبنان وليد جنبلاط، والاستياء الضمني لرئيس مجلس النواب نبيه بري.
وبما أنّ المسار الأميركي يتقاطع في المسألة اللبنانية مع التوجهات الإسرائيلية، فإنّ الحرب على “حزب الله” في لبنان، سوف تتدحرج أكثر فأكثر، وتتضاعف الخسائر أضعافا مضاعفة، وفي هذه الحالة، يصبح الحل الوحيد بيد اللبنانيين أنفسهم!
“حزب الله” لا يملك الحل. الرهان على الميدان لن يجدي نفعا، فهو، وبغض النظر عن توصيفاته لعدم احتلال إسرائيل للقرى والبلدات الحدودية، عاجز عن منعها من إقامة طرق تمكنها من الدخول والخروج بسهولة إلى الشريط الحدودي، وهي في المرحلة الثانية، تشق طرقا لتعبر منها الى ما تسميه الخط الدفاعي الثاني ل”حزب الله”، أي ذاك الممتد حتى عمق 10 كيلومتر. كما أن خطة “إيلام العدو” التي تقوم على قصف قرى الشمال ومدنه وصولا الى تل أبيب، وإن كانت تلحق الخسائر بالجبهة الداخلية في إسرائيل، إلّا أنّها تتسبب بردود قاسية للغاية، إذ إنّها تجر الى مزيد من التدمير للضاحية الجنوبية وبعلبك وصور وغيرها، بالإضافة الى “المطاردات” القاتلة المسماة “الغارات الهادفة”. وهذه خسائر لا يمكن تعويضها أبدأ، في حين أن عودة الإسرائيليين الى منازلهم في شمال إسرائيل، سوف تحصل، سواء من خلال إنجاح خطة الإنتصار تحت النار أو من خلال أي اتفاق لاحق، بواسطة الدبلوماسية.
كيف يمكن أن يكون المخرج؟
لا بد من تجاوز أدبيات التخوين التي يعتمدها “حزب الله” لمنع إقامة جبهة داخلية ضاغطة، من أجل وقف الحرب. لم يعد ثمة مفر من هكذا جبهة، مهما كانت كلفتها. جبهة قادرة على وضع مشروع حل متكامل، يأخذ بالإعتبار كل نواحي الأزمة، بحيث تضغط على “حزب الله” ومن خلاله على إيران، من أجل القبول بوقف الحرب بموجب معطيات تصالح لبنان مع المجتمع الدولي، من جهة وتراعي أدق تفاصيله السيادية، من جهة أخرى!
وكلما بقي لبنان خارج القدرة على المبادرة، فالحرب سوف تستمر والخسائر التي لا يمكن تعويضها سوف تتضاعف. وحده المجنون يقبل بذلك!