نجح رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، في رسم واحدة من أكثر اللوحات “السوريالية” في تاريخ الفن السياسي اللبناني، بقوله للصحافيين، بعد اجتماعه مع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الفرنسية ستيفان سيجورنيه، في منزله في بيروت، وليس في مقر عمله الرسمي في السراي الحكومي:” “في هذه الفترة الصعبة التي نمر بها لا يمكن إلّا أن نتحلى بالصمت والصبر والصلاة”.
لوهلة، وأنا أستمع الى ميقاتي، حسبتُ أنّ وسائل الإعلام اللبنانية تبث مقابلات أجرتها مع المواطنين اللبنانيين اللاهثين وراء لقمة عيشهم وأمانهم وسلامة عائلاتهم، في ظل هذه الأزمة الحادة التي يتسبب بها “حزب الله” الذي لا يتوقف عن السخرية على الوسطاء الدولي ين ويرفض ما يحملونه من طروحات، و”يُخشّب” لسان المنتدب منه، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويواظب على تهديد “الشيطانين الأصغر والأكبر” بالويل والثبور وعظائم الأمور.
بالفعل، كيف يعقل أن يكون نجيب ميقاتي الذي ظهر علينا فاقد الحيل والحيلة، رئيسًا لحكومة “بلاد حزب الله”؟ كيف يمكن أن يكون لدينا، في بلد واحد وتحت سماء واحدة وفي زمن واحد، مسؤول حكومي يثير الشفقة مثل نجيب ميقاتي ومسؤول ميليشياوي يصنع الحرب مثل حسن نصرالله؟ مسؤول حكومي لا سلاح عنده سوى “الصمت والصبر والصلاة” في مقابل آخر ميليشياوي لديه مائة وخمسون ألف صاروخ و”مائة ألف مقاتل”؟ مسؤول حكومي ينتمي الى نادي “النأي بالنفس” في مقابل مسؤول ميليشياوي يهندس “وحدة الساحات”؟ مسؤول حكومي يسأل السماء النجدة مقابل مسؤول ميليشياوي يفتح منذ أكثر من عشرة أشهر “جبهة المساندة”.
إنّها، لوحة “سوريالية” نادرة تستحق أن تعرض في أعظم المعارض والمتاحف، حيث يظهر صاحب الولاية الدستورية، كشمعة تحت الشمس الحارقة، كلوح شوكولا في فرن حام، كمشرد على قارعة الطريق، كتائه في صحراء ضخمة. يظهر الى جانب “جندي في ولاية الفقية” يقصف ويقتل ويدمّر ويهدد ويأمر ويحرّم ويحلّل ويرفع علامة النصر وهو يستوي على عرش من جثث؟
هذه اللوحة السوريالية تراج يدية، وهي لا تُفرح حتى الأعداء، لأنّ هؤلاء، مهما ذلهم الزمن، لا يقبلون بأن يكون لبنان نموذجًا لأي دولة، أو أن يكون أيّ منهم في وضعية رئيس حكومته الذي يهمس الجميع في صدورهم، عندما يرون صورته أو يسمعون صوته أو يقرأون ما ينطق به:” حرام…نجيب ميقاتي”!
لن نطلب من ميقاتي أن ينتفض من أجل كرامته وكرامتنا، من أجل صلاحياته ودستورنا، من أجل مصلحته ووطننا، ومن أجل سمعته ومستقبلنا. لن نفعل ذلك، لأنّ نجيب يستحيل أن يستجيب، لألف سبب وسبب. جلّ ما نتمنّاه منه، أن يثابر على الرسم بريشته المغمّسة بألوان العجز والخضوع والقهر والضياع والهزيمة والإنحطاط والفوضى التي توزعها عليه حارة حريك، بعد أن تستوردها من طهران!
أحيانًا لا يُرتجى من العاجز إلّا أن يعترف بعجزه، ويؤشر، وهو يجهد لرفع أصبعه، إلى أصل العلّة!