من الجنوب، حيث إسرائيل إلى الشرق، حيث سوريا، يعاني لبنان الأمرين، على كل المستويات الشعبية والسيادية، مما يضع حاجياته الملحة، على قائمة الانتظار الطويل، لأنّ عمليتي إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي تحتاجان، كما بات واضحا، إلى توفير الاستقرار.
ولن تقدم دولة واحدة او مؤسسة دولية واحدة قرشًا واحدًا إلى دولة مضطربة وتواجه مخاطر حروب مع جيرانها، سواء كانوا أعداء او “أشقاء”!
وإسرائيل ما بعد السابع من تشرين الأول٢٠٢٣ ترفض التعايش مع “الخطر الحدودي” فيما سوريا ما بعد الثامن كانون الأول ٢٠٢٤، تخشى على نظامها الجديد، وهو لا يزال هشًا، من مكوّن حدودي يناصبها العداء ويحن إلى أمجاد الماضي!
ولذلك، فإنّ إسرائيل تتعاطى، على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار وبغطاء أميركي واضح، بعنف شديد مع أي تحرك يقدم عليه مناصرو “حزب الله”، ولا سيما في جنوب نهر الليطاني، معتبرة ما يسمّى بالأهالي ومعهم الجمعيات غير الحكومية كما لو كانوا غطاء للحزب، مبررة ذلك بتجاربها السابقة.
ولا تعطي إسرائيل الجيش اللبناني واليونيفيل الثقة المطلوبة لحل ما يمكن ان يعترض تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار من معوقات، اذ ان تجارب الماضي القريب ليست إيجابية، من وجهة نظرها!
وكما إسرائيل كذلك سوريا، فهي تعتبر العشائر اللبنانية وعصابات التهريب التي تنتمي اليها، مجرد غطاء ل”حزب الله” وتعمل على إبعادها عن حدودها، خصوصا بعدما تحوّلت إلى ملجأ للمعادين النظام الجديد والهاربين منه والمتطلعين، في ظل مخطط إيراني، للانقلاب عليه، من أجل إعادة سوريا إلى المحور الذي انفصلت عنه مع سقوط نظام بشار الأسد.
ولا تولي إسرائيل وسوريا أي اهتمام لنفي “حزب الله” للأعمال المنسوبة اليه، لأنهما تعتبران ما يقدمه من حجج، مجرد غطاء!
وعليه، وبسبب “حزب الله” يعاني لبنان الأمرين، فكيف يمكن الوصول إلى حل؟
حتى تاريخه، وفي ظل التغيير الإقليمي الكبير، لا يشرح “حزب الله” أسباب هجومه المستمر على التطلع إلى تمديد مفاعيل القرار ١٧٠١ على الحدود الشرقية، بحيث تنطبق المعادلات نفسها على تنفيذ القرار ١٦٨٠.
بالنسبة ل”حزب الله” لم يعد النظام السوري حليفا وصديقا، كما كان عليه سابقا، ويفترض، عملا باتفاق وقف إطلاق النار، الامتناع عن ادخال الأسلحة، حتى لو توافرت معابره ومصانعه.
وهذا يفيد بأنّ ضبط الحدود اللبنانية- السورية لم يعد مؤذيًا ل”حزب الله”. العكس قد يكون صحيحا، لأنه، مع ضبط هذه الحدود يتم تجنيب لبنان اضطراباً ليس بحاجة اليه، كما يتم حماية أبناء الحدود الشرقية من مواجهات مكلفة، اقتصادياً وأعماريا ودمويا وطائفيا!
في المقابل، لا بد من ان تكون السلطات اللبنانية، وهي راهنا ترفع الشعارات الصحيحة، تملك تصوّرًا واضحا لمستقبل الحدود اللبنانية-السورية، اذ اثبتت التجارب ان تفلت هذه الحدود يسيء إلى لبنان، اقتصاديا وأمنيا وسمعة. وحتى تاريخه، لم يقدم مسؤول كبير واحد، خارج إطار الشعارات، تصورًا إلى اللبنانيين والسوريين، من شأنه تبديد التوترات الحدودية المستمرة الي تنقلب بين فترة وأخرى إلى اشتباكات عنيفة تستعمل فيها اعتى الأسلحة المتوافرة لدى الجانب السوري كما لدى العشائر/حزب الله.
ويدرك لبنان أنّ ما يقوم به الجانب السوري في المنطقة الحدودية يحظى بدعم دولي وعربي، لأنّ أهدافه المعلنة تتواءم مع الأجندة الدولية والعربية.
وفي انتظار وضوح الرؤية اللبنانية للحدود مع سوريا، يتواصل المأزق على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، حيث بات واضحا ان وقف العمليات الإسرائيلية، بما تتضمنه من احتلالات واعتداءات واختراقات برية وجوية، مرتبط ببت مصير التعاطي مع “حزب الله” على مستوى كل لبنان، فسلاح “حزب الله” في شمال نهر الليطاني يبدو بالنسبة لإسرائيل مثله مثل وجوده في جنوب نهر الليطاني، على اعتباران ما يتكدس حاليا من سلاح بعيدا من الحدود يمكنه، بالإضافة إلى الوصول حتى عميق إسرائيل، ان ينتقل تسللا، إلى النقاط المحاذية للحدود.
ويحاول “حزب الله” تحويل العمليات الإسرائيلية لمصلحته، بحيث يسوّق الحاجة إلى سلاحه، في ظل عجز الدولة اللبنانية المدعومة من الخارج، عن حماية الجنوب وسكانه.
ويتجاهل “حزب الله” أنّه، ومن اجل وقف الآلة الإسرائيلية المتفوقة والمتطورة، وافق على اتفاق اتفاق كان القاصي والداني يعرف انه اتفاق إذعان واستسلام، خصوصا وأنه ارفق بورقة ضمانات أميركية لإسرائيل، شاركت في صياغتها إدارتا جو بايدن التي كانت تستعد لمغادرة البيت الأبيض ودونالد ترامب، وهي كانت تستعد للدخول اليه.
بطبيعة الحال، لا تستطيع الدولة اللبنانية بواقعها الراهن، ان تعلن الحرب على إسرائيل، تماما كما يعجز حزب الله عن ذلك.
ولذلك، فإنّ الحل يكمن في تطبيق امين للقرارات الدولية التي يختصرها القرار ١٧٠١، وهذا يقتضي إنهاء الدور العسكري لحزب الله.
وانهاء هذا الدور العسكري، في المفاوضات التي ترعاها واشنطن وباريس، يصب في خدمة اللبنانيين عموما والجنوبيين خصوصا، لأنّه ينقلهم من وضعية “الوقود” إلى وضعية المواطنين، ويمنع التضحية بهم ويدشن عصر التضحية من أجلهم!