تكشف الرواية الرسمية الأميركية المثبتة بالأدلة أنّ الأباء في قطاع غزة يكتبون أسماء أبنائهم على أرجلهم، وذلك من أجل أن يتمكنّوا من التعرف إليهم، إن استشهدوا في القصف الإسرائيلي، كما أنّهم يوزعون أبناءهم في أماكن منفصلة حتى إذا مات بعضهم يبقى بعضهم الآخر أحياء!
ما أقسى هذه الحقيقة الإنسانية المرّة وما أخطرها، وما أسوأ عذابات أبناء غزة الذين يُتركون يتامى لآلة الحرب الإسرائيليّة التي أطلق هجوم “حركة حماس” على “غلاف غزة” كامل وحشيّتها!
ولن يتمكن أحد من ردع إسرائيل عن الإستمرار في حربها التي لن تهدأ إلّا بحالة من إثنتين: الهزيمة أو النصر!
ولا يبدو أنّ إسرائيل سوف تُهزم، فعلى الرغم من محاولة ح لفائها في العالم “ضبط وحشيتها” إلّا أنّهم يواصلون دعمهم لها، محوّلين مواقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على الرغم من وضوحها، الى “صرخة في واد”!
وعدم استعداد وقوف حلفاء إسرائيل ضد الحرب ليس حبًّا ببنيامين نتنياهو الذي يأمل الجميع، تتقدمهم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالتخلص منه، ولكن كرهًا ب”حركة حماس” المصنّفة إرهابيّة في كثير من مراكز القرار في العالم، إذ لا يريد أحد أن يراها، يومًا، ترفع راية النصر، حتى على طريقة تنظيمات “محور المقاومة”، اي على جثث الأطفال والنساء والعجائز وعل ركام “جنى العمر”.
وعليه، وأمام حقيقة ساطعة مفادها أنّ إسرائيل “مسخ” ومدنيّي غزة هم أبناء “حركة حماس” وأمهاتها وآبائها، وفي ظل استحالة الإنتصار، فلا بدّ من القبول بحل سياسي يضع حدًّا لكل أنواع الخسائر والمآسي والدمار ويوقف آلة القتل الإسرائيليّة ويلحق هزيمة ببنيامين نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرف.
وهذا يعني ضرورة أن تتجاوب “حماس” مع الدعوات الدوليّة التي يثور ضدها نتنياهو، وتسليم قطاع غزة الى السلطة الفلسطينية، وفق شروط يتم الإتفاق عليها مع مصر وقطر وتركيا والمملكة العربيّة السعودية.
هذا ليس استسلامًا بل هو حاجة ملحّة، فإلحاق الخسائر بالعدو، مهما جرى تعظيمه، لن يحقق انتصارًا، بل سوف يزيد الكوارث كوارث، فإسرائيل في هذه الحرب استفادت من شرعية منحتها إيّاها “حركة حماس” بعملية السابع من تشرين الاوّل الأخير.
أرجّح أنّ “حركة حماس” تعرّضت لخديعة كبرى دفعتها الى الهجوم على جنوب إسرائيل. الخديعة صاغتها الجمهورية الإسلامية في إيران التي أوهمت “حركة حماس” بقدرتها على تفعيل “تلاحم الساحات”، بمجرد أن تتعرض لاحتمال “حرب إلغاء” إسرائيليّة.
طهران تراجعت، في اللحظة الحاسمة، عن وعدها ل”حركة حماس” التي تركت وحيدة في المعركة، ف”حزب الله” يزعم مساندتها، ولكن لنتخيّل لحظة أنّ إيران هي المستهدفة وليس “حماس” فماذا كان ليفعل “حزب الله”؟ وهل هناك عاقل واحد يمكن أن يصدق أن “حزب الله” يكتفي بهذا الحد من المواجهة “خوفًا على ناسه”؟ ولماذا لم يكن يفكر بناسه عندما تعاهد مع “حماس” على “تلاحم الساحات”؟
وما يصح على “حزب الله” يصح أكثر على الحشد الشعبي في العراق وعلى حوثيي اليمن وعلى بشار الأسد، وقبل هؤلاء جميعهم على إيران نفسها!
“حماس” خدعت إسرائيل عندما شنّت هجومها الصاعق على “غلاف غزة”. خداعها مشروع فهو بين عدوّين لدودين. وإيران خدعت “حماس”، وخداعها ليس مشروعًا لأنّه بين حليفين متضامنين.
لقد صوّر “محور المقاومة” نفسه أقوى بكثير مما هي عليه حقيقته، في وقت خفف من قدرات عدوّه، فتوهم فعلًا، بفعل “مرض الإستمتاع بالذات”، أنّه “أوهن من بيت العنكبوب”.
وأمام هذه الحقائق التي يتحدث عنها أبناء غزة قبل غيرهم، وقد باتت وسائل إعلام عربيّة تفرد لهم مساحات- وإن كات لا تزال ضيّقة- للتعبير عن أنفسهم، ويحلل في شأنها كتاب متعاطفون مع “حماس” في وسائل إعلام داعمة لهذه الحركة، لا بدّ من اتخاذ خطوات جريئة توقف آلة الحرب الإسرائيليّة التي سوف تحوّل قطاع غزة الى بقعة غير قابلة للحياة لمن يمكن أن يبقى على قيد الحياة، مهما كانت نتائج الحرب.