يرتفع مستوى التوتر والعصبية وتعكّر المزاج، لدى العديد من الصائمين خلال شهر رمضان، حيث تعتبر هذه العوارض انعكاساً طبيعياً لعدم حصول الجسم على العديد من العناصر الغذائية، التي اعتاد حيازتها خلال الأيام العادية، لكن أن تصل الأمور إلى حدّ القتل والتهديد والتحريض والشتم العلني والطلاق، فهذا لا يمكن أن يتقبّله لا عقل ولا منطق ولا دين.
وهذا ما حدث للأسف مع الطفل شادي يوسف الذي شاء سوء طالعه أن يكون حاضرا خلال الإشكال على “نصف فروج” بين صاحب مطعم في طرابلس وأحد الزبائن، قبيل دقائق من إطلاق مدفع الإفطار، ليقتل “بالخطأ” بعد أن انطلقت رصاصة من مسدس الزبون “الضايق خلقو” من الجوع وتستقر في رأسه. واللافت أن وسائل الإعلام التي تناقلت الخبر تطرّقت إلى موضوع أن القاتل وصاحب المحل كانا صائمين.
كذلك برّر الإعلامي في قناة الميادين علي مرتضى، شتمه ليزيد ومعاوية وبني أميّة وأهل السنّة على خلفية أحداث الساحل السوري، بأن ما قاله من إثارة للنعرات الطائفية والمذهبية جاء نتيجة زلّة لسان قُبيل دقائق من موعد الإفطار.
وفي السياق ذاته، ربطت وسائل إعلام خبر إقدام مصري على جرف منزل شقيقه بالصيام، والارتفاع الكبير بحالات الطلاق في الأردن بالشهر الكريم..
فهل يمحو الصيام الذنوب؟
أعرف تمامًا أن بتطرّقي لهذه الإشكالية سأجلب السبّ والشتم من الغيارى على الدين، مع التأكيد أنني لست بوارد تحريض المؤمنين على عدم الصيام لا قدّر الله، من أي دين كانوا، ولكنني جلّ ما أسعى الإضاءة عليه هو ما أجمعت عليه الدراسات بأن هناك علاقة مباشرة بين الشعور بالجوع ومستويات التوتّر عند الإنسان، إذ أكدت أنّ الجوع يرتبط بشكل مباشر باستثارة انفعالات قوية مثل الغضب والتوتر والاضطراب مع تراجع الشعور بالسعادة بشكل ملموس، خاصة عند الأشخاص الذين لديهم مشكلة في تنظيم الغلوكوز في الدم.
الخوف اليوم يكمن في بدء تقبّل هذه الأعمال والمرور عليها مرور الكرام، ومحاولة التبرير “للتقيّ” المجرم إجرامه، و”للمؤمن” السفيه كلامه، و”للملتزم” الشنيع أعماله، وأن يتم غفران هذه الأعمال طالما أنها نتيجة ممارسة طقس ديني.
والمضحك المبكي هو هذا التناقض الغريب بين حكم رجال الدين على حجم ما يحصل، فبدل أن تتركّز خطبهم على النهي عن الغضب والتسامح مع من لا يمكنه أنّ يكتم غيظه بسبب الجوع، والسماح له بعدم الصيام، والأخذ بعين الاعتبار بعض العوامل مثل السنّ وكتلة الجسم والعادات الغذائية والسمات الشخصية… يقومون بإدانة الفاطر والتحريض عليه وتهديده بجهنم وبئس المصير.
وعليه فإنّ من يبرّر الرذيلة بفضيلة، يُرَدُ عليه بالبيت الشعري الشهير الذي يُنسب للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:
سَمِعْتُكَ تَبْنِي مَسْجِدا مِنْ خِيَانَةٍ وأنتَ بحمد الله غير موفّقِ
كمُطعمة الأيتام من كدِّ فرجها لَكِ الوَيْلُ لا تَزْنِي ولا تَتَصَدَّقي