الثلاثاء يرتسم مستقبل الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية والحرب “في البال”!
لا يجانب الصواب هؤلاء الذين يحذرون من إمكان عودة الحرب إلى الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية.
ولذلك أسباب كثيرة قد يكون أبرزها تنامي الشعور لدى سكان شمال إسرائيل بأنّ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، على الرغم من تمديده حتى ١٨ شباط، لم تقدم الأدلة الكافية على أنّ الأحوال قد تغيّرت وعلى أنّ مخاطر “حزب الله” قد أزيلت، وعلى أنّ قدرته على إعادة تشكيل قوته للقيام في المستقبل بعملية تشبه هجوم حماس في السابع من تشرين الأول ٢٠٢٣، قد تلاشت!
ويمارس شماليو إسرائيل مدعومين من سياسيين ومحللين ووسائل إعلام مؤثرة، الضغوط الكبيرة على حكومتهم من اجل العودة إلى الحرب، حتى تفرض منطقة أمنية عازلة داخل لبنان، تحول دون عودة “حزب الله” بلباس مدني إلى الشريط الحدودي، بحيث لا يتكرر سيناريو العام ٢٠٠٦.
وزادت قناعة هؤلاء بوجوب شطب اتفاق وقف إطلاق النار من المعادلة الميدانية، بعد تدفق “ا لأهالي” في محاولة منهم للدخول عنوة إلى بلداتهم وقراهم “المحظورة”، وثبوت أنّ “حزب الله” هو الذي كلفهم بهذه العملية، وسط عجز الجيش اللبناني المدعوم من اليونيفيل، عن صدهم واضطراره لاحقا إلى مواكبتهم!
بالنسبة للاسرائيليين، ان السيناريو نفسه كان قد اتبع بعد العام ٢٠٠٦، حيث تمّ إيقاف الحرب بموجب القرار ١٧٠١، من اجل تمكين حزب الله من العودة إلى جنوب نهر الليطاني مع ترسانة عسكرية ضخمة للغاية، تحت ستار الأهالي والجمعيات البيئية والخدمات الاجتماعية والمساهمات الإعمارية!
ويهدد إسرائيليو الشمال بعدم العودة إلى المستوطنات التي كان قد تمّ إجلاؤهم منها في تشرين الأول ٢٠٢٣، في حال لم يطمئنوا إلى ان مخاطر “حزب الله” قد أزيلت بشكل نهائي!
هل تستجيب الحكومة الإسرائيلية لهذه الضغوط؟
هناك فرضيتان تعطيان جوابين متناقضين!
تفيد الفرضية الاولى بعدم اقدام إسرائيل على استعادة الحرب، في حال كان مشروع استهداف ايران وبرنامجها النووي، ضمن أولويات البيت الأبيض، لأنّ “حزب الله” بذلك يكون قد خسر، بعد سوريا، الدعم الإيراني، وبالتالي تصبح قدراته على إعادة ترميم نفسه شبه معدومة، فلا تعود لديه أي مصلحة باللعب الخشن مع إسرائيل التي أخذت لنفسها، حق ضربه واستهدافه، كلما ظنت انه يعيد تشكيل قوته، كما هو حاصل حاليًا، حيث يضربه الجيش الإسرائيلي من الحدود إلى الحدود، كلّما وضع يده على قطعة سلاح “محظورة”!
ولكنّ الفرضية الثانية التي تنطلق من أنّ إدارة دونالد ترامب تقدم الدبلوماسية على الحرب في التعامل مع ايران، فتعني احتمال عودة الحرب إلى الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية بعدما انتهت الأسباب التي أعلنها بنيامين نتنياهو لموافقته على اتفاق وقف إطلاق النار، وهي “ترييح” الاحتياط، و”تزخير” مخازن الجيش، والتركيز على ايران.
وماذا عن “حزب الله”؟
من الواضح أنّ الحزب لا يريد العودة إلى الحرب، خصوصا بعد اعترافه بتفوق إسرائيل العسكري الحاسم ضده، ولكنه في الوقت نفسه يبدي معارضة شديدة للقبول بالمصير المحدد له، وهو التخلي عن العمل المسلح، منطلقًا من نقطة قوة يروّجها عن نفسه، بأنّه مقاومة جهادية لا تتردد في احتضان الموت والتعاطي معه كما لو كان هبة سماوية!
ويبدي “حزب الله” من خلال منابره ومجموعات موالية له ضمن بيئته الطائفية، الاستعداد لبذل الأثمان المطلوبة للبقاء في الساحة وإعادة تجميع قواه ليكون جاهزًا في المرحلة المقبلة!
ويعتبر الحرب أنّ إسرائيل، من خلال ما تقوم به، تعطيه مشروعية مواصلة العمل “المقاوم” على اعتبار أنّ الدولة ومعها المجتمع الدولي بأكمله، غير قادرة على وضع حد للتجاوزات الإسرائيلية!
ولكنّ نقاط ضعف حزب الله، في هذا السياق كثيرة، فالرقص على حافة الحرب سيعيد النزوح إلى ما كان عليه سابقا، وهذا ما يستحيل ان تتحمله البيئة الشيعية، وسوف يتسبب بشرخ كبير ضمن الطائفة الشيعية، ولا سيما مع “حركة أمل” التي أظهرت، في الأيام القليلة المقبلة، تمايزات كثيرة عن الحزب، ولا سيما عندما تجاوز الرئيس نبيه بري رفض قيادة الحزب ووافق على التمديد للمرحلة الأولى من اتفاق وقف اطلاق النار، حتى الثامن عشر من شباط المقبل.
واذا كان الجيش الإسرائيلي قد استفاد من الهدنة لسد الثغرات التي عانى منها، فان “حزب الله”، وبفعل سقوط نظام بشار الأسد وخروج مقاتليه مع الإيرانيين والحلفاء من سوريا، قد فقد الفرصة لإعادة تزخير نفسه، وبالتالي بقي عند المستوى الذي كان عليه عندما وافق على اتفاق وقف إطلاق النار، بشروط قاربت الاستسلام الضمني!
نتنياهو ذاهب إلى واشنطن، وهناك سوف يلتقي الثلاثاء المقبل دونالد ترامب حيث سيتم البحث في ملفات لبنان والضفة الغربية وغزة وسوريا وايران!
وفي ضوء اجتماعات واشنطن، سوف يتحدد مستقبل الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية.
نتنياهو سيبلغ ترامب أنّ مستوى الإنجاز الإسرا ئيلي في لبنان إذا لم يتعمّق لن يحقق وعد الرئيس الأميركي بإرساء سلام دائم على هذه الجبهة، وفق ما دوّنه في رسالته إلى الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة الأميركية، وسوف يحمل معه اقتراحات عدة، من بينها العودة إلى الحرب لتكمل إسرائيل العمل الذي كانت قد بدأت به، في ظل إدارة جو بايدن “المتحفظة”!
حتى تاريخه، في موضوع إسرائيل بدا دونالد ترامب كما لو كان من حزب ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهما من مناصري إعادة العملية العسكرية إلى ما كانت عليه!