يبدو أنّ الخيار الذي يطرحه “الثنائي الشيعي ” امام اللبنانيين هو اما الإذعان في موقع الرئاسة و التسليم بفرض المرشح سليمان فرنجية ، او الذهاب الى “حوار” يبدأ بموضوع الرئاسة لكنّه لن ينتهي قبل طرح مسألة تعديلات دستورية أساسها تحويل أعراف الى نص دستوري و ذلك بعدما سبق أن فرضت تدريجيًّا بحد السيف غداة حرب ٢٠٠٦ ، ثم غزوات بيروت و الجبل في ٧ و١١ أيار ٢٠٠٨ ، حيث اعقبها مؤتمر الدوحة الذي اطلق العنان للبدء بتجويف اتفاق الطائف و من خلاله الدستور ، تحت عنوان الأخذ بمتغيرات في موازين القوى المستجدة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، و استخدام السلاح في الداخل ضد اللبنانيين ( مواصلة الاغتيالات ، و الاعتداءات المسلحة على الجماهير السيادية ) ، وصولًا الى خرق اتفاق الدوحة علنا في العام ٢٠١١ من خلال الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري ، واستبدالها بحكومة سميت آنذاك “حكومة اللون الواحد” .
إذن ، اما رئاسة الجمهورية بجيب “الثنائي ” ، فتؤجل مسألة تغيير الدستور ، أو فراغ مديد يفتح الباب على طرح تعديلات دستورية يطول فيها النقاش فتتحلّل الدولة أكثر ، وتسوء حال البلاد ، وتتحوّل “المبادرة الفرنسية ” من محاولة لانهاء الفراغ الرئاسي الى مشروع طاولة حوار لصياغة تعديلات دستورية تزيد من تجويف الطائف . وسيستغل “الثنائي الشيعي ” تنامي طروحات الفدرالية في البيئة المسيحية ، و أساسها اليأس من العيش تحت سيطرة الثنلئي المذكور ، من اجل وضع “هواجسه ” الدستورية على طاولة التفاوض !
ثمة خيار آخر هدفه دفع النواة المسيحية الصلبة حتى الان برفضها الفرض و الاملاءات ، الى الاستسلام امام طول امد الفراغ الرئاسي و تمدده الى حاكمية مصرف لبنان و هي منصب ماروني ، فالى منصب قائد الجيش الماروني أيضا ، و خلق هلع في أوساط الكنيسة ، و الرأي العام المسيحي من حدوث انقلاب كبير على الوجود المسيحي في الدولة اللبنانية ، فيسهل دفع المعارضين الى الاستسلام ، تحت عنوان “تسوية ” معينة يجري وضع اخراج لها كي تحفظ ماء وجه المستسلمين ، لكنها لا تغيير بشيء من واقع تنامي سيطرة الثنائي المشار اليه على البلاد.
في الحقيقة ثمة فريق يدفع البلاد بشكل منهجي نحو “العرقنة” من خلال اضعاف و تشتيت كل الأطراف الأخرى و جعلها تعمل عنده . بمعنى ان نقطة ثقل الحكم و القرار موجودة في المعسكر الشيعي من خلال رئاسة الحكومة و المناصب الرئيسية ، و البقية تتبع بشكل او بآخر . ففي لبنان “حلبوسيون” كثر ( نسبة الى رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي وهو سني) جاهزون للعمل تحت “عباءة ” رأس القرار الفعلي ، و هناك “كرد ” تتغلب عليهم الخلافات الداخلية، لكن يتم “ضبطهم” بالابتزاز اما المالي او الأمني ومحاصرتهم تماما كما بدأ يحصل للمسيحيين . فلا هم قادرون على انشاء دولتهم المستقلة ، ولا هم قادرون على تعزيز وزنهم في المعادلة الداخلية الاوسع . لديهم رئاسة الجمهورية لكنها للتشريفات ليس اكثر.
خلاصة القول ، ان في لبنان “ثنائي ” يعمل بلاد هوادة على نسف التوازنات الدقيقة و معها الصيغة ، وفرض وصاية تامة على بقية المكونات . لكن المشكلة الأكبر هي حجم التواطؤ معه في البيئات الأخرى ، وهو واسع على مدى وِسع الجوع للسلطة و شبق المال !